قضايا الطلاق والتجديد الفقهي

رغم أن معظم القضايا التي يوقع فيها المشايخ الطلاق، لا نرى فيها نصوصا قاطعة، فإيقاع الطلاق بتهديد الزوج للزوجة ليس فيه نص صريح بذلك، وكذلك معظم حالات الطلاق التي يفتي المشايخ بإيقاعها لا نجد عليها نصوصا من قرآن أو سنة، أي أن بيوت المسلمين تهدم وتخرب باجتهادات لا تُبنى على نصوص صريحة، مما يتطلب مراجعة جادة لهذه الفتاوى واعتمادها.

عربي بوست
تم النشر: 2016/02/06 الساعة 01:37 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/02/06 الساعة 01:37 بتوقيت غرينتش

الإسلام دين واقعي، لا يحلِّق في أجواء الخيال، بل ينزل بتشريعاته ليراعي طبائع البشر، واختلاف النفوس، وقد شرع الزواج ليتحقق به الاستقرار والأمن الاجتماعي في البيت، والمودة والرحمة (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة) الروم: 21. غير أن الحياة لا تسير بوتيرة واحدة، ولا تمر الأيام على نسق واحد، وكذلك الطباع والنفوس، فهناك نفوس تتعايش مع بعضها وتتواءم، وهناك نفوس لا تقوى على العيش معا، إما لعدم التوافق، أو لاختلاف الطباع والنفوس، مما يؤدي إلى نفور يستحيل معه العيش المشترك في أسرة واحدة، ولذا مراعاةً من الإسلام لطبيعة البشر شرع الطلاق، وهو انتهاء الميثاق الغليظ الذي بين الزوجين، فإما معاشرة بالمعروف، أو تسريح بإحسان.

والطلاق ليس شرا في كل حالاته، بل في كثير من الأحيان يكون علاجا لداء استعصى على العلاج، وإنهاءً لمشكلة يصعب معها حل غيره، وقد يكون فيه راحة للطرفين، وإعطاء كل منهما فرصة للبحث عن السعادة الزوجية مع طرف آخر يكتب الله له معه إكمال الطريق معه، يقول تعالى: (فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا) النساء: 19. وهو آخر مرحلة في علاج الشقاق وعدم الوفاق بين الزوجين، فآخر الداء الكي، وهو الأمر الذي ما منه بدٌّ، إذا عجزت كل محاولات الحل عنه.

ولكن الإسلام جعل الطلاق عند استحالة العشرة بين الزوجين، أو عدم التفاهم، فكما يُبنى قرار الزواج على التريث والتأني، ووضع فترة خطبة يتعرف فيها كل طرف على الآخر، ليقررا بتؤدة الارتباط، فكذلك قرار الانفصال -وهو أخطر- يحتاج لنفس الشروط، ولذا سماه الله عز وجل (الميثاق الغليظ)، فهذا الميثاق الغليظ كي يحل، يحتاج إلى أدوات بنفس قوة ربطه، فلا يترك لقرار طائش، أو كلمة عابرة.

ولذا يتعجب الإنسان المتأمل في كتب المذاهب الفقهية، فنرى تشديدات كبيرة في عقد الزواج، ولا نجد نفس التشديدات في إنهاء هذا العقد (الطلاق)، فنرى عقد الزواج يشترط فيه الولي، والشهود، والإعلان، بينما الطلاق عند تطبيقه يتساهل المشايخ والمفتون فيوقعونه بدون احتياط وتدقيق مثلما يفعل في عقد الزواج، وما أروع ما دوَّنه الفقيه الكبير ابن حزم حين قال: (الفرض والورع: أن لا يحكم حاكم، ولا يفتي مُفتٍ بفراق زوجة؛ عُقد نكاحها بكتاب الله عز وجل، وسنة رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- بغير قرآن، أو سنة ثابتة).

رغم أن معظم القضايا التي يوقع فيها المشايخ الطلاق، لا نرى فيها نصوصا قاطعة، فإيقاع الطلاق بتهديد الزوج للزوجة ليس فيه نص صريح بذلك، وكذلك معظم حالات الطلاق التي يفتي المشايخ بإيقاعها لا نجد عليها نصوصا من قرآن أو سنة، أي أن بيوت المسلمين تهدم وتخرب باجتهادات لا تُبنى على نصوص صريحة، مما يتطلب مراجعة جادة لهذه الفتاوى واعتمادها.

كما أن المشايخ الذين يتعرضون لمثل هذه الفتاوى -حسب الملاحظ- ليسوا مؤهلين بأي دورة في الإرشاد الأسري، ولا علم النفس، وهو أمر يحتاجه الفقيه الذي يفتي في قضايا أسرية خطيرة كالطلاق، فقديما كان الفقهاء يجمعون بين فقه الشرع، ودراسة النفس والفلسفة، فنرى إماما كأبي حامد الغزالي فقيه شافعي كبير، وأصولي لا يشق له غبار، وفيلسوف من جهابذة الفلاسفة، وكذلك ابن رشد شيخ المالكية في زمانه، وهو فيلسوف كبير، وكلاهما عني بدراسة النفس البشرية، وهو أمر يحتاجه الفقيه في الإجابة عن أسئلة اجتماعية كالزواج والطلاق، حيث إن كثيرا من فتاوى الناس أحيانا لا تحمل سؤالا، بقدر ما تحمل مساحة من الفضفضة، ولذا تحتاج من الشيخ إلى سعة صدر في السماع، فما بالنا بفتاوى الطلاق التي تحتاج إلى سماع الطرفين جيدا، بينما نجد من يسأل من الناس فيها، يكون سؤاله قصيرا جدا، فيقول السائل: يا شيخ لقد قلت لزوجتي: أنت طالق. فلا يهتم الشيخ بسؤاله عن أمور كثيرة تحيط بالأمر، من حيث ملابسات الأمر، ونفسية الطرفين (الزوجين)، وهو ما رعاه الشرع الإسلامي في كل التشريعات، ووجدت نصوص مستفيضة في ذلك، وبخاصة المرأة التي جعل لها الإسلام بابا في التشريع تنفرد به بأحكام، ومنها: الحيض والنفاس وما يترتب على ذلك مراعاةً لهذا العارض في حياة المرأة، فكيف لا يراعى ذلك أيضا في باب مهم في حياتها وهو باب الزواج والطلاق؟!

فالرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يأتيه السائل معترفا بجريمة الزنى، فيسأله بكل تفصيل، لعلك قبَّلت؟ ثم يسأل -صلى الله عليه وسلم- من حوله: أبه جنون؟! يريد بذلك تعريف السائل كل أركان الحكم، حتى لا يقضي في أمره بغير الحق، كما يبحث عن كل الملابسات النفسية والاجتماعية، فعلى حسب الحالة ستكون الفتوى والتشريع.

والشريع الإسلامي يفرق بين حالات الناس، بين حالة الطمأنينة والقلق، حالة الهدوء والتوتر، بين الصحة والمرض، بين حالة الحرب والسلم، فهناك فقه الحرب والسلم، عبادة الحرب غير عبادة السلم، كما أن الحدود تعطل في ميدان الحرب، وكذلك الطلاق لا يناقش بعيدا عما يحيط بالإنسان من ظروف وملابسات.

هناك قضايا يجب أن تطرح من جديد ويمارس فيها الاجتهاد الفقهي، خاصة الحالات المتكررة والدائمة في الحياة الزوجية، مثل: هل كل لفظ يتلفظ به الزوج بالطلاق يعد طلاقا؟ وهل لحالته النفسية أثر من حيث بطلان الطلاق أو إنفاذه؟ وأي درجة من الغضب يمكن أن تجعل تلفظه بالطلاق لا يقع؟ وهل يراعي الإسلام الحالة النفسية للمرأة أم لا في الطلاق؟ وهل طلاقها في حال حيضها أو نفاسها يعد طلاقا صحيحًا أم لا؟ وهل كل طلاق شفهي يقع، أم لا بد من شهود وتوثيق؟ كل هذه الأسئلة نتناولها بالإجابة والتأصيل في مقالاتنا القادمة إن شاء الله.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد