ما بين مؤيد ومعارض استقبل السعوديون خبر قرب تطبيق وزارة العمل قراراً بإغلاق المحلات التجارية الساعة 9 مساءً بدلاً من منتصف الليل المعمول به حالياً، وبدأ الناس في جلساتهم يناقشون التبعات الاقتصادية والاجتماعية والنفسية التي يمكن أن تترتب عن هذا القرار في حال تطبيقه.
القرار يُحضر له منذ عام 2012، وصدر كإحدى توصيات "الحوار الاجتماعي الأول"، الذي أقيم بالرياض في نفس العام، وبمشاركة أطراف الإنتاج الثلاثة: أصحاب الشركات، والعمال، والحكومة ممثلة في وزارة العمل، وبمشاركة "مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني".
توطين الوظائف
"لتوفير فرص عمل للسعوديين" بهذه الكلمات بدأ خالد أبا الخيل، مدير المركز الإعلامي لوزارة العمل، حديثه لإيضاح مبررات وزارة العمل في تطبيق القرار.
وأضاف في تصريحٍ لـ "عربي بوست": "هدفنا أيضاً ضبط السوق بوجود وقتٍ محدّد لدوام المحلاّت، وكذلك توطين الوظائف في القطاع الخاص، والتي يشغل أكثرها المقيمون".
وقد يشجع مثل هذا القرار المواطنين السعوديين على العمل في القطاع الخاص، مع عدد ساعات دوام أقل، وفرصة أكبر للعودة إلى المنازل، وممارسة حياة اجتماعية طبيعية، وهو ما أكده أبو الخليل، بالقول إن "بعض الجنسيات من المقيمين يعمل ليلاً نهاراً ولا يبالي، خاصة إن كانوا من العزاب، وهو ما يختلف عن طبيعة المجتمع السعودي"
ويشاطره الرأي عثمان الخويطر، نائب رئيس شركة "آرامكو السعودية" السابق، مبيناً أهمية تحديد ساعات عمل المحلات، ومؤكداً في الوقت نفسه على أنه سيسهم في "الضغط على العمالة الوافدة لترك البلاد".
وأضاف لـ "عربي بوست": "كنت أتمنى أن يحدد زمن فتح المحلات في 8 أو 9 ساعات في اليوم، على أساس أن تنتهي على الساعة الـ8 مساءً، لأن الإغلاق على الـ9 قد يعني امتداد العمل 14 ساعة".
خطأ تنموي واقتصادي
لكن يبدو أن القرار يجد معارضةً من قبل بعض الخبراء الاقتصاديين الذين يرون أن ساعات الذروة في التسوق تأتي مساءً، وأن "أوقات ارتفاع مبيعات المحلات غير مستقرة، وبالتالي سيتسبب الغلق المبكر لها في ارتفاع أسعار السلع".
برجس البرجس، المحلل الاقتصادي والمالي عارض القرار ووصفه بأنه "خطأ تنموي واقتصادي".
ويرى أن "30% من مبيعات المحلات هي غير مخطط لها، أي أن السيدة تذهب للمول لشراء ملابس لأطفالها فتجد عرضاً لسلع لم تخطط لها فتشتريها، وهذا سيتأثر بالسلب مع نقص ساعات العمل، ولن يعوّضه فتح المحلات وقت الظهيرة".
البرجس، والذي كان يشتغل مستشاراً استراتيجياً لشركة "آرامكو السعودية" أبدى تخوفه من تداعيات القرار، والتي ستنعكس على المواطن سلباً في ارتفاع أسعار السلع "إذ ستصل نسبة ذلك حوالي 50% تعويضاً عن ذلك، فالوزارات لا تضمن للمحلات خفض أسعار إيجارها التي اعتمدت عندما كان ساعات العمل إلى منتصف الليل، وأيضاً ارتفاع أجور العمالة بعد أن يصير أكثر العمال من المواطنين، ورفع عدد الموظفات لرفع الإنتاجية سيرفع من تكلفة السلع"، على حد قوله.
وأردف قائلاً "بالإضافة إلى ذلك، فإن هذه الوظائف تكميلية وليست تطويرية، وهي طريقة للتخلص من البطالة، وليس الاستفادة من كوادر الوطن البشرية للمساهمة بتطوير وتنمية اقتصاد الدولة، استُخدمت عوامل ثانوية كالحد من العمالة الوافدة وتحويلاتهم، وتُرك الأساس وهو التطور والتنمية".
وأردف البرجس: "ومع هذا فلن تنخفض نسبة البطالة حيث أن سوق العمل يدخله أكثر من 400 ألف شخص سنوياً، ولدينا أكثر من 3 ملايين طالب وطالبة أعمارهم فوق سن 15 يدرسون الثانوية والجامعة، بالإضافة إلى العاطلين عن العمل، وآخرين احتسبوا خارج سوق العمل دون وجود آليات توضح تفاصيلهم".
سيساهم في زيادة إنتاج الفرد
وبخصوص الأبعاد الاجتماعية والنفسية التي قد تصاحب هذا القرار على المجتمع السعودي، يقول الأخصائي النفسي خالد المطيري أنه "في البداية سيصعب على الكثيرين التأقلم على ما تم تغييره؛ لأن تغيير المكان، والزمان أحد أهم أسباب عدم الراحة النفسية"، موضحاً لـ "عربي بوست" أنه "مع الوقت سيتجاوز الجميع المشكلة، وسيعتادون على وتيرة الحياة الجديدة".
وأكد في الوقت نفسه على ضرورة عمل أجهزة الدولة المختلفة على ملء أوقات فراغ المواطنين والمقيمين على حد سواء، خاصة وأن نسبةً لا يستهان بها من المقيمين يعيشون بمفردهم، وهو ما قد يؤدي إلى "إصابة بعضهم بما يعرف (الملل المزمن)، وهي متلازمة تصيب الأشخاص الذين تعودوا على قضاء وقتٍ وجهد كبير في العمل، وفجأة تغيّر نمط حياتهم" بحسب ما قال.
ويضيف المطيري: "قد يلجأ بعضهم إلى عملٍ آخر، وبالتالي يكون قد خالف أنظمة وقوانين العمل، وبعضهم قد يلجأ، وهذا هو الأخطر، إلى سلوكيات أخرى لسد الفراغ قد تصل إلى حد الجريمة، وخصوصاً في السعودية لا توجد أماكن ترفيه مخصصة للشباب يقضون فيها أوقات فراغهم بعيداً عن صخب العمل".
من جانبه، يعدّد عبد العزيز البلوي، الأخصائي النفسي في مستشفى الملك خالد، "الآثار الإيجابية" المنتظرة من هذا القرار كـ "النوم باكراً، وقضاء أوقات أكثر مع الأسرة وهو سيؤدي إلى زيادة في الراحة النفسية للفرد، والتي من شأنها زيادة إنتاجه في شتى مجالات حياته، وزيادة الترابط الاجتماعي، وتعزيز أواصره".
فرصة لعودة الترابط المفقود
"الترابط الذي كان مفقوداً سابقاً سيعود" هكذا رأى عليان العطوي، وهو الأخصائي الاجتماعي في مستشفى الملك خالد في حديثه إلى "عربي بوست" أهمية تنفيذ القرار، "والنتائج الإيجابية المنتظرة بعد تفعيله".
ويعتبر العطوي أن تنفيذ القرار سيسهم في "تعزيز الأواصر الاجتماعية داخل الأسرة الصغيرة، والعائلة الكبيرة، والذي فُقد مع ظروف الحياة الصعبة التي كان يعيشها المواطن سابقاً ما بين عمله، ثم الخروج، وضياع ساعات طائلة في التسوق، وشراء احتياجات المنزل التي لا تنتهي".
حفاظاً على الوقت المهدر
"محمد العمري" مواطن سعودي، أبدى تأييده للقرار، ورأى أن له العديد من الآثار الإيجابية ومنها: "الحفاظ على الوقت المهدر في الأسواق".
لكن موطنه خالد الشهري يختلف معه حول ذلك، متوقعاً فشل مشروع وزارة العمل حال تطبيقه بقوله: "لم نعد مجتمعاً مستقلاً بل أصبحنا جزءاً من القرية العالمية، وما يوجد في العالم، وبخاصة الغربي وبشكل أكثر تحديداً أميركا يؤثر فينا بشكل كبير، فالعالم كله الآن يسير وفق نمط حياة متشابه".
جدير بالذكر أن مدير المركز الإعلامي لوزارة العمل أكد لـ "عربي بوست" بأن الوزارة تعمل مع شركائها لدراسة القرار مرة أخرى بشكل نهائي قبل تنفيذه حيث "سيتم عقد ثلاث ورشات عمل مع الغرف التجارية؛ لأخذ الآراء بشكل أوسع، وتقييم الدراسات، ومن ثم الرفع للجهات العليا بالتوصيات الأخيرة؛ لاستصدار قرار نهائي" على حد قوله.