كيف يمكنني أن أمنح أبنائي أمًّا أفضل؟ وأمنح المجتمع غداً أفضل؟
كانت أمًّا متميزة جداً، لأطفال على قدر كبير من الوعي والذكاء والثقافة.
طبعا هم في النهاية أطفال، يلعبون، ويقفزون ويتشاجرون كغيرهم من الأطفال، ولكن مستوى وعيهم، وأخلاقهم وغايتهم في الوجود كانت عالية جداً.
السبب الذي اعترفت به الأم:
أنها برغم كونها جامعية، إلا أنها لا يمكنها أن تكون أمًّا أفضل إلا بالقراءة المستمرة اليومية بلا انقطاع!
قراءتها المستمرة رحلة نمو، تنمو هي من خلالها، وينمو أطفالها، روحيا وفكريا، وأخلاقيا وثقافيا، وينمو أيضًا المجتمع .
وبهذا فقط نكون بشراً، وبهذا أولاً نصعد سلم الوجود الحسي الذي نشترك به مع باقي الكائنات إلى الوجود العقلي والأخلاقي والروحي الذي يميز جنس الإنسان.
يمكننا أن نشبه الفرق بين الأم القارئة الواعية، وبين الأم الجاهلة المهملة كالفرق بين الثرى والثريا!
فالله عز وجل يقول:
(هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون).
بالطبع لا يستوون!
وما نعيشه اليوم ونشاهده بأم أعيننا من أمراض اجتماعية ونفسية وتفشي الجهل والسطحية والبذاءة ومعاونة لأصحاب السلطان وبيع للذمم والأوطان، عند شرائح واسعة من مجتمعاتنا، ما هو إلا أحد تجليات سوء التربية، وفشل الأم والأب والأسرة في أداء مهمة إنشاء الإنسان الصالح لعمارة الأرض.
لذلك فإن أردتِ أن تنقذي مجتمعك وأسرتك ونفسك من مصير أسود مجهول تقودنا إليه الحروب والأزمات والمحن، فعليك أن تبادري بالقيام بدورك على أفضل ما تستطيعين، ومفتاحك الأول لذلك هو القراءة.
القراءة:
لأن أول خطاب لبني البشر في الرسالة الخاتمة التي خاطب الله عز وجل بها الإنسان، كانت:
اقرأ، اقرأ، اقرأ.
اقرأ هي التي ستجعلك إنسانًا حقًّا، وفي طريق اقرأ تكتمل إنسانيتك، وتنتقل إلى الأرض، وتنتشر باسم ربها الأكرم، رسالة تطور وارتقاء تبدأ منذ الرحم، ولا تنتهي إلا بالكفن.
اقرأ، كتاب الله، أقرأ كل كتاب نافع، اقرأ وارتق.
ماذا سيحدث لو لم تقرأي؟
اختبرت إنجاب ثلاثة من الأطفال، وأعرف تماماً معنى أن يكون وقتك تماماً بل وكل حياتك مكرسة للعناية بهم ورعايتهم وتأمين طلباتهم والاهتمام بالزوج وتلبية متطلبات المنزل.
الإجابة المتوقعة من أي أم ستكون، ليس لدي وقت.
أنا أيضا اختبرت حياة: ليس لدي وقت.
كنت أماً متفرغة تماماً، بدوام لأربعة وعشرين ساعة، بدون إجازة سنوية كأي موظف على سطح الأرض، وأعرف أن هذا حقيقي جداً!
تستطيعين أن تعيشي سنين كاملة من عمرك، وأنت تطبخين وتنظفين المنزل، وتهتمين بالأولاد كأية أم عادية، وعندما يعود زوجك من عمله تتفرغين لتكوني في رعايته وتلبية حاجاته ومسايرته في قضاء أوقات راحته، غالباً على شاشة التلفاز، أوفي خروجات وفسح وزيارات.
وهكذا تكونين محجوزة دائما لصالح:
البيت، الأولاد، الزوج، والنشاطات الاجتماعية!
ستكون هذه غالباً كل حياتك.
هذا أمر جيد، وهي كلها واجبات لا بد من أدائها.
ولكن كيف يمكن أن تتحول هذه الواجبات إلى متع؟
كيف يمكن أن نجعل الأوقات التي يتم قضاؤها في تلك المهام، أوقاتاً نوعية، تخرج بالنتيجة بمخرجات عالية الجودة؟
كيف يمكن لك كإنسانة أن تحصلي على قدر أكبر من الرضا والامتلاء الذاتي، بحيث تتناقص حاجتك للآخر، وتركيزك عليه، ويصبح تركيزك الأكبر على ذاتك وما يمكن أن تفعله وتغيره، حتى يتغير ما بك!
(إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)
كيف لي أن أغير ذاتي، وأقود نفسي، لأقود أسرتي، وأقود أبنائي، وأقود علاقاتي بالمجتمع أيضاً، لأرتقي بهم وبالمجتمع لنحقق معنى الخلافة الصالحة في الأرض؟
لن يتحقق ذلك إلا بالقراءة.
القراءة هي مفتاح التغيير.
القراءة نور يعلمك عن نفسك وعن العالم. والعلم مع التكرار والتراكم، ومراجعة الذات المستمرة، يتحول إلى عمل.
والقول يتحول إلى فعل، والحلم بالسعي الدؤوب يتحول إلى حقيقة!
كل ذلك يحتاج صبراً، صبراً طويلا حقا.
صبراً وإصراراً على أن نبدأ، وثقة بالله ثم بالنفس أننا سنصل لغايتنا، ولو بعد بضعة سنوات.
المهم أن تكون لدينا غاية، وألا نفقد أبدا الثقة والأمل، وننوع ونجرب كل الأساليب المشروعة الممكنة، ونتعلم من تجاربنا حتى نصل، وبالتأكيد إن شاء الله سنصل.
المهم أن نبدأ، في البدء كانت الكلمة.
البداية في الرسالة، البداية في ولادتك الحقيقة هي "اقرأ".
في اليوم الذي تقررين فيه أن القراءة هي ضرورة ملحة لوجودك البشري، لا تقل أهمية عن نظافة بيتك، وطبخ طَعَامِك، ورعاية صغارك والخروج مع زوجك، وزيارة جاراتك، بل وحتى نومك!
في اليوم الذي تقررين فيه حجز موعد لذاتك أنتِ..
أنت يحق لك أن تحجزي على الأقل ساعة لذاتك، لقراءتك، لولادتك، لارتقاءك وارتقائهم هم أيضا بلا شك!
وكل هذا في سبيل الله..
في ذلك اليوم، الذي تبدأين فيه بذلك وتلتزمين به، تكونين قد ولدت ولادتك الحقيقة.
سيُصبِح لحياتك رويدا، رويدا، طعم مختلف تماما
سيُصبِح شعورك بذاتك أيضا، رويدا، رويدا مختلفاً تماماً.
ستبدأ نظرتك للغاية من وجودك تتضح أكثر فأكثر.
مع الوقت ستصبحين أمًّا أكثر وعياً ونضوجاً.
ستصبحين أمًّا أفضل، وزوجة أفضل.
ستبدأ ذاتك تتغير، وستجد بعض المقاومة من المحيط، ومع تغير ذاتك التدريجي، في رحلة الوعي بالذات والعالم، ستبدأين تتركين أثراً أفضل في هذا الكون.
لن تكوني بعد ذلك أمًّا تطعم وتحمم وتنظف وتطبخ، ستكونين أمًّا غير عادية، تغرس في صغارها وعياً أعمق بالذات، بالصلة بالخالق، وبالحياة، والغاية من الوجود.
وقتها لن تكوني فقط غيرتِ نفسك، بل ستغيرين المجتمع حقيقة!
وفي كل طفل من أطفالك بذرة خير يحملها، وهو يتصل بمن حوله!
وستصبح عائلتك أيضا مع الوقت والسعي المستمر، والقراءة المثمرة المستمرة بلا انقطاع، ظاهرة صحية جميلة، تنشر طيبها ليحتذي به المحتذون!
منذ اليوم، وليس غداً، وحتى لو كان لديك عشرة أطفال، وحتى لو كان لديك خيمة أو قصر منيف..
إن كنت تريدين أن تحيي حقاً، حياة عميقة رائعة حقيقة، فاحجزي لنفسك موعدا هاماً لا يمكن تفويته أبداً، ولو اقتطعت ساعة من ساعات نومك، ولو أغلقت وسائل تواصل
الاجتماعي!
ساعة واحدة على الأقل كل يوم..
ستجعلك أمًّا أفضل، وإنسانة أفضل، وستمنحنا نحن جميعاً في مجتمعاتنا حياة أفضل!
لك أن تتخيلي ما يمكن أن تفعلي إذا بدأتِ بذلك اليوم.
لكُنَّ أن تتخيلن لو أنكن تركتن الفيسبوك والتلفاز قليلا، وأضأتن في داخلكن شمعة في وسط هذا الظلام!
هل تعلمن من أنتن؟
أنتن أكثر من نصف المجتمع، وتمتلكن تأثيراً يكاد يكون مطلقا على النصف الآخر!
نعم، تستطعن أن تتغيرن!
نعم، تستطعن قيادة التغيير!
ابدأن اليوم، الطريق شائك وليس سهلاً، ولكن أعرف وتعرفن تماماً أن بإمكانكن فعل الكثير!
فلا تتأخرن عن الموعد يا سيداتي، وابدأن الآن الآن، وليس غداً!
نجاح التغييرات القادمة يعتمد بعد الله عليكن، فأنتن اللاتي يمكنكن صناعة الإنسان، وبناء الأوطان.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.