صراع الهلالين وأيهما سيكون بدراً .. الشيعي أم السني ؟!

على السعودية أن تستفيد من تجربة الحرب العراقية الإيرانية إبان فترة الثمانينيات من القرن المنصرم، ولا تنجر لكمين مذهبية المواجهة، فالرئيس الراحل صدام حسين كان حذرًا في التعاطي مع مجريات الحرب آنذاك، حيث أعطاها صبغة قومية لكونه يدرك أن نحو نصف الشعب العراقي يعتنق المذهب الجعفري وإن كان لا يؤمن بفكر ولاية الفقيه.

عربي بوست
تم النشر: 2016/02/02 الساعة 03:58 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/02/02 الساعة 03:58 بتوقيت غرينتش

حساسية الموضوع وخطورته، تستوجب التعاطي مع هذا الملف بحذر وتناول القضية بأبعاد سياسية بحتة، فضلا عن الأخذ بعين الاعتبار وجوب الابتعاد عن الخوض في المسائل الفقهية.

من جهة أخرى، لا يمكن القفز على الحقائق ونفي وجود صراع مذهبي متجذر اتخذ أشكالًا وصورًا متعددة منذ عقود مضت، والملفت أن الذهن التعبوي الجماهيري المعاصر لطالما ألصق أشكال المواجهة بكلٍّ من إيران والسعودية، معتبرًا إياهما رأسًا لتكتلين فكريين سياسيين، وهما الشيعي الإثنا عشري والسلفي السني، في حين أن الأطراف المصطفة ضمن خندق المواجهة هي أكثر بكثير من حصرهما في دولتين.

الصراع بين هذين القطبين خلال الفترة الماضية كان -وبحسب المفهوم الحديث- بمثابة حرب باردة أو مواجهة بالوكالة، ولكنه سرعان ما تطور بعد سلسلة من التصريحات والاتهامات المتبادلة ليصل إلى قطع للعلاقات بكل أشكالها.

السعودية أيقنت أن الدبلوماسية وسياسة الاحتواء ما عادت مجدية وهي تشاهد الخطى المتسارعة للتقارب الأميركي والغربي صوب طهران بعد تبني الطرفين لشعار "عفا الله عما سلف".

ويبقى أخطر أنواع الحروب هي تلك التي يتم التحشيد لها، وفقًا لدوافع عقائدية ودينية، ولا دخل للجهل والتخلف هنا، فحتى وقت قريب كان قلب أوروبا المتحضرة ينزف على إثر اقتتال دموي بين بريطانيا الكاثوليكية وأيرلندا البروتستانتية.

ولا شك أن إيران تملك باعًا طويلًا وخبرة في العمل السياسي، فضلاً عما تتميز به من دهاء في المحاكاة والمناورة جاءت امتدادًا من البهلوية العلمانية إلى الخمينية الدينية، فالأخيرة استخدمت العقيدة لإعطاء زخم سلطوي وجماهيري دفع نحو تحريك النزعات الداخلية التي كانت تهفو نحو إعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية بصبغة إسلامية، وعبر تمهيد نفسي ممنهج ساهم كتاب وأدباء للترويج العاطفي بأن الوقت قد حان للانتقام لكورش الكبير مؤسس أول إمبراطورية عالمية أنشئت فوق أشلاء بابل العظمى عام 539 قبل الميلاد.

أما خارجيًّا، فقد سعت إيران لمغازلة وجدان الشيعة العرب وتحريضهم على حكوماتهم، فاستخدمتهم في أكثر من مكان كحطب لسياساتها التوسعية، وهو ما نبَّه إليه الأمين العام للمجلس الإسلامي العربي العلَّامة محمد علي الحسيني من تبني إيران لسياسة "فرِّق تَسُد" لخدمة مصالحها الخاصة، فيما سبقه الشيخ صبحي الطفيلي أول أمين عام لحزب الله اللبناني الذي حذر مراراً من خطر إيران الدولة على التشيع.

إيران الفقيه فقهت اللعبة، فاستغلت التضاد بين المعسكرين الشرقي والغربي وتحالفت مع دول كروسيا والصين، فيما توقعت السعودية أن يفي الغرب بالعهود وألا يتخلى عن حلفائه على المدى الطويل، دون أن تحسب أن النظرة الأوروبية والأميركية للجزيرة العربية سيشوبها دوماً الشك والريبة واتهامات تعتبرها مصدر الفكر المتطرف.

إيران استخدمت مفهوم المظلومية ومعاداة الإمبريالية لغرض الاستقطاب وتشكيل وتنشئة خلايا نائمة وأخرى نشطة داخل العمق العربي، استخدمتها كأوراق ضغط عبر الإشاعة والترويج لما قيل إنها حقوق مسلوبة للأقليات المذهبية في بعض دول الخليج، فيما ساهمت الآلة الإعلامية الغربية بإسناد تلك الدعوات من خلال شيطنة السعودية للرأي العام.

هذا النشاط الاستخباراتي جاء بالتزامن مع عمل دؤوب لغرض توسعة الهلال الشيعي وبالشكل الذي يضمن تطويق وإحاطة السعودية وتضييق الخناق حولها بدءًا من بغداد فدمشق، وصولًا إلى لبنان فاليمن ثم عُمان.

التصريحات الإيرانية التي انتقلت من شخصيات عامة إلى أكثر المستويات رسميةً، استفزت السعودية ومن هم حولها، ودفعتهم بالتأكيد لدق ناقوس الخطر حين سمعوا الرئيس الإيراني حسن روحاني وهو يعلن أن إيران أصبحت اليوم إمبراطورية كسالف عهدها في إشارة إلى العهد الساساني، وإن قيل فيما بعد إن التصريح قد حُوِّرَ إلا أنه لم يتم تكذيبه.

السعودية أدركت -وإن كان في وقتٍ متأخر- خطر هذا المخطط، فسارعت لقلب الطاولة، لتشكل تحالفًا أقوى عبر تطويق إيران من جوانبها الأربعة، بدءًا من الساحل الخليجي غربًا، وتركيا شمالًا، وباكستان شرقًا.
أما روسيا المتهالكة اقتصاديًّا والحليف الإستراتيجي لطهران، فتاريخها المليء بالتغير في الولاءات يشجع لسلخها وصرفها عن دعم إيران بتقديم بعض الضمانات لنفوذها في المنطقة، فضلاً عن صك مالي يمكن أن يلين التعنت والعنجهية لدى قيادات الكرملين.

المواجهة وأسلوب المناورات بدأ بشكله العسكري في الـ14 من مارس/آذار عام 2013، حين أرسلت السعودية قوات درع الجزيرة إلى البحرين لغرض منع عملية انقلاب كانت وشيكة.
أما سوريا فلم تكن حقيقة المواجهة فيها واضحة المعالم كما هو الحال عليه اليوم، فالأطراف المتقاتلة هناك باتت تعلن صراحة عن أسماء وعناوين مرجعياتها، وما الشد والجذب ضمن مفاوضات جنيف إلا دليل على ذلك.

لكلٍ من إيران والسعودية وسائلهما في لَيّ الأذرع، ولم تعد المعارك تقليدية كما كانت قياساً لحجم ما تملكه الدولة من قوة عسكرية وذخيرة قتالية في السابق، بل إن الحروب الاقتصادية التي تسهم في استنزاف الإمكانيات أصبحت أكثر وقعًا وتأثيرًا في حسم المواجهة ودفع الطرف الآخر للرضوخ والاستسلام، وبالرغم من الانخفاض الهائل في أسعار النفط عالميًّا فما زال يعد ورقة ضغط لا يستهان بها، خاصة إن علمنا أن تكلفة استخراج البرميل الواحد في السعودية لا يتجاوز الثلاثة دولارات، في حين أن تكلفته في إيران تتجاوز السبعة عشر دولارًا.

على السعودية أن تستفيد من تجربة الحرب العراقية الإيرانية إبان فترة الثمانينيات من القرن المنصرم، ولا تنجر لكمين مذهبية المواجهة، فالرئيس الراحل صدام حسين كان حذرًا في التعاطي مع مجريات الحرب آنذاك، حيث أعطاها صبغة قومية لكونه يدرك أن نحو نصف الشعب العراقي يعتنق المذهب الجعفري وإن كان لا يؤمن بفكر ولاية الفقيه.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد