البطالة في تونس أجبرت مهندسين وأساتذة على رمي شهاداتهم ورعي الأغنام… تعرّف على قصصهم!

عربي بوست
تم النشر: 2016/02/02 الساعة 05:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/02/02 الساعة 05:06 بتوقيت غرينتش

منذ 4 سنوات ودّع الشاب التونسي معز الرياحي أبواب الجامعة بعد أن نال شهادته العليا في الهندسة المدنية، لكن فرحته سرعان ما تحوّلت لحزن وشعور عميق بالقهر بعد رحلة بحث مضنية عن شغل في اختصاصه قضاها متنقلاً بين ريف "البطرية" بمحافظة زغوان شمالاً وتونس العاصمة، لينتهي به المطاف كراعٍ للغنم في الجبال براتب شهري لا يتجاوز 150 دولاراً حتى يعيل نفسه وعائلته المكونة من 5 أفراد.

"الفقر كافر والجوع كافر"

بحسرة يروي معز لـ"عربي بوست" دوافع امتهانه رعي الماشية وتخليه عن حلم الهندسة قائلاً: "الفقر كافر والجوع كافر، كنت مجبراً على التخلي عن كبرياء أي شاب في عمري وتعليمي الجامعي، وأن أطوي صفحة من عمري قضيتها في دراسة الهندسة وأبحث عن أي مصدر للرزق، فالخيارات تقريباً منعدمة والنشاط الوحيد المتاح في بلدتي الريفية هو الرعي".

شعور معز بالحزن يتضاعف – كما يقول – كلما رأى زملاءه في نفس معهد الهندسة يعملون في مؤسسات عمومية أو شركات خاصة للمقاولات، بعضهم يملك الآن سيارة وآخرون تحسّنت ظروفهم المادية وقرروا الزواج وتكوين أسرة ومسكن لائق، أما هو فظل يعيش حياة البدو متنقلاً بين المساحات العشبية برفقة نحو 150 رأساً من الغنم في الجبال، "مثله مثل أي راعٍ آخر لم تطأ قدماه قط أبواب المدرسة"، على حد تعبيره.

تهديدات بالسجن ومصير مجهول

هذا الشاب لم يُخفِ خشيته من مصير مجهول لاسيما أنه مهدد بالسجن في أي
لحظة إثر شكوى تقدم بها أحد المستثمرين النافذين في جهة زغوان بتهمة التعدي على أرضه، رغم أنه يؤكد امتلاكه رخصة بهذا الغرض من الشركة والتعاضدية الفلاحية التي يعمل بها.

معز أكد أن شقيقه الحاصل على الأستاذية في إدارة الأعمال التحق بدوره بمهنة رعي الغنم، بعد أن طرق كل أبواب البحث عن عمل في اختصاصه لكن دون جدوى.

100 دولار شهرياً عن رعي الغنم

على الجانب الآخر من ذات الجبل شبه المعزول تُمسك الشابة سمية قويسم، ابنة الـ29 ربيعاً والحاملة لشهادة جامعية في التاريخ، عصاها لتهش بها 300 رأس من الغنم.

سمية التي درست في تونس العاصمة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية 9 أبريل، أصبح شغلها الشاغل توفير الغذاء لقطيعها وعائلتها بعد أن انقطعت بها السبل في إيجاد وظيفة بسلك التعليم.

وتقول: "كنت أظن أن شهادة الأستاذية التي أحملها بعد نحو 4 سنوات من الكفاح الدراسي وضنك العيش في المبيتات الجامعية ستخرجني من الفقر والخصاصة وتوفر لي ولعائلتي حياة أقل ما يُقال عنها كريمة، لكن ما كل ما يتمنى المرء يدركه"، وتسكت صاحبة الأستاذية في التاريخ برهة لتمسح دموعها.

وتستهل حديثها بصوت مرتعش ومتقطع: "تقدمت لوظيفة مدرسة بالتعليم الابتدائي وشاركت في اختبارات وطنية للقيميين، لكن كل محاولاتي باءت بالفشل ولم أجد من حل سوى امتهان رعي الغنم بعد إلحاح من شقيقي الأكبر الذي يمتلك قطيعاً من الخرفان، ومنحني راتباً شهرياً يقدر بنحو 100 دولار".

عينة صغيرة من مأساة كبيرة

معز ومريم ليسَا إلا عينة صغيرة من شباب تونس من أصحاب الشهادات العليا الذين تقطعت بهم السبل في إيجاد وظيفة محترمة تتناسب وإمكانياتهم وتضمن لهم حياة كريمة، فوجدوا أنفسهم مجبرين لا مخيرين على امتهان أي عمل يضمن لهم قوت يومهم، فهم يقولون إنهم أدوا واجبهم الدراسي على أكمل وجه لكن الدولة التي وعدتهم بتوفير وظائف خذلتهم وأذلتهم، فضلاً عن سياسة التهميش والإقصاء والمحسوبية المتفشية، التي زاد منسوبها بعد الثورة التي كان عنوانها "الشغل والكرامة".

صعوبات بالجملة

المنجي بوكيل، وهو الممثل القانوني لشركة التعاضدية الفلاحية "سبمسا" التي تضم نحو 7000 رأس غنم و25 فلاحاً بمحافظة زغوان، يقول إنه يشغّل حالياً 6 من حاملي الشهادات العليا بين شباب وشابات، فضلاً عن باقي رعاة الغنم الذين لا يملكون أي شهادة، مبدياً في ذات الوقت أسفه لغياب أي تشجيع للدولة التونسية لمثل هذه المشاريع التنموية الخاصة التي تفتح أبواب رزق ولو بسيطة لهؤلاء الشباب ولنحو 26 أسرة.

المنجي اعتبر أن هذه العينة من أصحاب الشهادات العليا هم رمز للصمود والكفاح والتنازل عن الأنفة في سبيل لقمة العيش في بيئة ريفية معزولة تفتقر لأبسط مقومات الحياة، فقد اتخذوا بيوتاً من القش والخيام مساكن لهم من دون ماء أو كهرباء أو خدمات صحية.

وختم قائلاً: "حتى مهنة راعٍ استكثرتها الدولة على هؤلاء الشباب من خريجي الجامعات فهم حالياً مهددون بالطرد من هذا المقسم العشبي في الجبل والذي ندفع إيجاره شهرياً للدولة بعد استيلاء أحد المستثمرين على قطعة الأرض دون موجب قانوني بتواطؤ بين محافظ الجهة ورجال أعمال".

242 ألف عاطل من أصحاب الشهادات

وأظهرت آخر الإحصائيات في تونس أن نحو 242 ألف شاب من الحاصلين على الشهادات الجامعية عاطلون عن العمل من جملة 612 ألف عاطل، أي بنسبة تقدر بنحو 32%، فيما بلغ المعدل الإجمالي للبطالة بالبلاد ارتفاعاً مقارنة بالسنوات الماضية ليصل لحدود 15,3%.

ورغم أن الدولة كانت قد أعلنت خلال الأسابيع الماضية إثر احتجاجات شعبية لأصحاب الشهادات العليا المعطلين عن العمل بجهة القصرين عن توفير الآلاف من الوظائف والانتدابات بشكل مستعجل، إلا أن أغلب الإحساس السائد عند الشباب أنها مجرد مسكنات ووعود سياسية زائفة.

تحميل المزيد