كل أعذارنا وتبريراتنا والتماساتنا لعدم التكامل والتنسيق فيما بين مؤسساتنا الحكومية والخاصة والخيرية.. أوهى من بيت العنكبوت.
ولطالما تحدثنا عن عوائق التنسيق والتكامل، وأطنبنا الحديث عن صعوبته، وتقبلنا إلى حد كبير هذه الفوضى الكبيرة التي تجتاح حياتنا اليومية في كل مناحيها.
وحين نزور بلداً آخر ونرى حجم التنسيق بين جهاته ينتابنا الأسى لما نرى من فارق كبير بين حالنا وحالهم.
ونشعر بأنه رغم كل هذه المشاعر والرغبة العارمة، فإننا لا نستطيع الحل!
إن من أول أبجديات حل المشكلة أن ندرك أن وجودها استثناء وليس أصلا.
وأن تجاوزها ممكن ومقدور عليه وليس من ضمن المستحيلات.
إن البيئة الإيجابية التكاملية ذات التنسيق العالي تتطلب شيئا من التنازلات والإفصاح المتبادل.
ونجاح التنسيق في تحقيق أهدافه سيجبر بقية المستكبرين عن التنسيق على أحد أمرين، إما الرضوخ للتنسيق أو الانسحاب من الميدان ليتولى الصف الثاني التنسيق، لأن كبرياء أولئك تمنعهم من القبول بالتغيير الإيجابي.
ولكي يتضح تهافت أعذار عدم التنسيق وضعفها، أذكر هاهنا نماذج واضحة للجميع يتم فيها التنسيق على أوسع نطاق، ويتم فيها إزالة كل المعوقات التي تبدو في الأصل ضخمة جدا:
المثال الأول : السفر الجوي .
هل كان بإمكاننا السفر دولياً دون تنسيق عظيم وكبير وتفصيلي بين الدول وشركات الخطوط في كافة الدول، رغم تعدد لغاتها وأجناسها وطبائعها وأديانها، وعلى اختلاف مستواها الحضاري والسياسي والاقتصادي؟
كم هو حجم الضبط والإتقان في أوقات الإقلاع والهبوط وارتفاعات الطيران وإجراءات انتقال الأفراد والبضائع؟
هل ندرك بأنه لولا التنسيق العالي والفوري، لكان السفر جوًّا لونًا من الانتحار؟
المثال الثاني: العمليات المصرفية.
هل كان بإمكاننا أن نستخدم بطاقة الصراف الآلي للسحب النقدي من عشرات الدول وألوف البنوك المنتشرة في أنحاء المعمورة؟
هل كان بإمكاننا من خلال البطاقة والرقم السري الحصول على النقد بعملة البلد في ملايين نقاط البيع وماكينات السحب الآلي دون الحاجة لأي جهد بشري؟
المثال الثالث : الاتصالات .
هل كان بإمكاننا استخدام الهاتف الجوال ذي الرقم المحلي لإجراء الاتصالات واستقبال المكالمات والرسائل في عدد كبير من دول العالم دون جهد، لتقوم شركات الاتصالات بإجراءات المقاصة واحتساب الخدمة والمبلغ على المستفيد من الخدمة فورا، ثم التفاهم مع الشركات المشغلة؟
وفي بلداننا التي نعتبرها -أحياناً- متأخرة في مجال التنسيق بين قطاعاتها، بل حتى في أكثر الدول فقراً وفساداً وتخلفاً وبعداً عن الحضارة.. تتم عمليات الطيران والنقل والاتصالات والبنوك بكل سلاسة وفاعلية!
إذاً التنسيق ممكن ومتاح أيا كانت أوضاع البلدان والمنظمات وأسلوب إدارتها، متى ما وجد القرار.
إن التنسيق قرار لا رجعة عنه، ومنهجية يجب العمل وفقا لها، بل ويجب أن يتم التعامل بحزم مع كل شخص يرى عدم الحاجة له، أو يكون حجر عثرة أمام التنسيق والتكامل، ففي نهاية المطاف يعتبر المسئول في كل جهة من جهاتنا الحكومية او الأهلية مؤتمناً على العمل، مكلفا بتقليل الهدر، والتكامل مع الغير.
ولذا فإن النكوص أو التأخر عن ذلك في حقيقته إخلال بواجبات القيادة، ودليل على أنه لا يقوم بمهامه بشكل صحيح.
لا يمكننا وصف هذا التشرذم إلا بـ(عجز الثقة).
وتعظم المشكلة حين نتلمس المعاذير لأنفسنا ونحشد التبريرات لمؤسساتنا، ونلقي بالتبعة على كل أحد سوانا.
وإنني أشبه صنيع مؤسساتنا الحكومية والأهلية والخيرية بجماعة من الناس يملك كل منهم مولِّداً للكهرباء يكفيه ويزيد عن حاجته ولذا فهو عند تشغيله للمولد يستعمل بعضاً من طاقته ويذهب جزء غير يسير منها هدراً دون أن يستفيد منه أحد، وربما أضيئت منطقة واحدة بأكثر من إضاءة لأكثر من مصدر للكهرباء.
وفي الوقت ذاته تجد في مكان آخر أشخاصاً آخرين ليس لديهم مولدات أصلا ويعيشون في ظلام دامس، وكان بالإمكان التنسيق لتصل إليهم الكهرباء بدون تكلفة إضافية.
فلو اجتمع أصحاب المولدات ووضعوا الطاقة الصادرة عن مولداتهم في موزع واحد لتمكنوا من الاستفادة منها في استعمالهم دون نقص يقع عليهم، كما سيتمكنون بموجب ذلك من توزيع المتبقي من الطاقة -وهو كثير- على من لا يملك مولدا، سواء كان ذلك مجاناً أو بمقابل.
أظن أننا بحاجة إلى ثورة تنسيقية كبرى، يتم بموجبها إعادة هيكلة مؤسساتنا وتوجهاتنا الإستراتيجية ومجالات تركيزنا وخططنا التشغيلية.
إننا نحتاج للعمل وفقا لرأي الأغلبية وليس الإصرار على أن ينزل الأغلبية عند رأينا.
فهل نتحلى بالشجاعة الأدبية لنصدر قراراتنا التي لا رجعة عنها بأن العمل سيكون دوما من خلال تنسيق وتكامل فعال؟
أرجو ذلك وأتمناه.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.