لا لعبادة الأصنام!

إننا نتجاهل أيضا أن هذه الأصنام الآدمية ما هي إلا بشر مثلنا لا تملك أن تقدم لنا الحل السحري لمشاكلنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إنهم بشر عاديون كانوا أيضا يعبدون أصناما بشرية أخرى مثل بعضنا وقد تحطمت أيضا أصنامهم عبر الزمن.

عربي بوست
تم النشر: 2016/01/29 الساعة 02:39 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/01/29 الساعة 02:39 بتوقيت غرينتش

يتميز الإنسان منذ عدة عصور زمنية ببحثه المستمر عن الأمن والحماية والراحة النفسية، فالنفس البشرية منذ الأزل وهي تبحث عن ارتباط ما مع الخالق أو الطبيعة أو أي إنسان آخر قد يمدها بشعور من الطمأنينة والإحساس بالأمان، فقبل بداية عصر الديانات السماوية الثلاث صنع البشر لأنفسهم أصناما تجسد أشكالهم الآدمية من أجل عباداتها، حيث رأوا أن هذه الأصنام هي الآلهة التي سوف توفر لهم الحماية والأمان وسوف تساعدهم على تحدي الصعاب وحل جميع مشاكلهم اليومية، وذلك فقط بمجرد الإخلاص لها وتقديم القرابين والتودد لتلك الأصنام في كافة المناسبات.

لكن مع بدء عهد الديانات السماوية، ظهرت ثورة دينية في شبه الجزيرة العربية وفي بقاع أخرى من العالم، وبدأ الرسل والأنبياء يبشرون الناس بأن هناك إلها واحدا هو من يستحق العبادة، وأن الأصنام التي صنعوها بأيديهم لن تجديهم نفعا ولن تحميهم ولن تساعدهم أبدا، فهذه الأصنام ممكن أن تتحطم في أي لحظة وتتحطم معهم جميع أحلامهم وآمالهم، فالخلاصة التي دعت إليها الديانات السماوية الثلاث بكل بساطة تتلخص في عبارة نفي واحدة وهي
" لا لعبادة الأصنام"
ولكن في عصرنا الحديث هذا وفي عالمنا العربي ما زال هناك أناس متأثرون بفكرة وثقافة عبادة وتقديس الأصنام التي يصنعونها بأيديهم، لكن تلك المرة طبيعة الأصنام التي يعبدونها تختلف تماما عن الأصنام الوثنية القديمة، ففي القدم كانت الأصنام تصنع من الطين والحجارة والخشب أما في عصرنا هذا وفي القرن الحادي والعشرين فنحن نصنع أصنامنا من البشر أنفسهم وعندما تنهار وتتحطم تلك الأصنام البشرية تتحطم معها أحلامنا وآمالنا ونشعر حينذاك بأننا خسرنا مصدر الحماية والأمان لنا سواء في حياتنا الشخصية أو العملية.

للأسف يقع كثير من أفراد الشعوب العربية في فخ عبادة أصنام بشرية صنعوها بأيديهم وذلك عن طريق تقديسهم لشخصيات عامة بشكل مبالغ فيه، على سبيل المثال.. أن يقدسوا قائدا أو زعيما سياسيا ما، حيث يقومون بتعليق كل آمالهم وأحلامهم على هذا القائد وينسون أن هذا القائد ما هو إلا إنسان عادي قد يخطئ وقد يصيب، قد يخطط لهم لمستقبل جيد أو قد يقودهم إلى الانهيار، وقد يكون ممثلا بارعا ذو كاريزما معينة ويستطيع أن يجذبهم بشكل مزيف ويبشرهم دائما بالنصر وقد يكون إنسانا صادقا وواقعيا، لكنه غير جذاب ويناقشهم بصراحة عن احتمالية النصر أو الهزيمة، فالمواطن العربي بطبيعته عاطفي ويحكم على قائده بمدى الكاريزما السياسية التي يتحلى بها هذا القائد، بدون عمل أي تحليل أو نقد منطقي لطبيعة الخطاب السياسي الذي يلقيه هذا القائد أمام المواطن العادي.

والكثير من المواطنين العرب قد يتناسون الطبيعة البشرية التي لا تستطيع الخلود للأبد؛ لذا يستمر الكثير منهم وخاصة الشباب بتقديس شخصيات سياسية معينة، يرتبطون بها ويعلقون مستقبلهم ومستقبل أمة بأكملها عليها وينسون أن كل ما هو على هذه الأرض هو بكل بساطة فان، وأن التغيير هو الثابت الوحيد في هذه الحياة.

وقد تبلغ سذاجة البعض مستوى كبيرا، عندما يدعون أن قائدا معينا يعتبر بالنسبة لهم بمثابة والدهم وأنهم من دونه لا شيء، الأمر الذي يعزز الاعتمادية المباشرة على السلطة الأبوية الشرقية التي تفضل أن تحكم دون أن تسمح بمناقشة الأبناء أو الشعب بالقرارات التي يتخذها الأب الحاكم، فتصبح سلطة هذا القائد كسلطة الأب الذي يجب أن يطيعوه جميع الأبناء بدون أي مناقشة أومراجعة لقراراته حتى لو كانت خاطئة، ويصبح المواطن الذي انتقد قرارات الأب الحاكم كالابن العاق الذي يجب أن يطرد من رحمة والده.

ومن المظاهر التي تدل أيضا على سذاجة البعض عندما يقولون عبارة إنه "من ليس له كبير يجب أن يبحث عن كبير" وهذه العبارة تعود إلى الفكر القبلي حيث هناك شيخ كبير لقبيلة ما وهو من يحكم القبيلة بأكملها لوحده، وتعتبر سلطته وأعرافه بمثابة قوانين إلزامية يجب على جميع أفراد القبيلة أن يحترموها ويطيعوها دون أية مراجعة أو مناقشة لها.

وهنا تتلاشى ماهية الدولة المدنية ودستورها وقوانينها التشريعية التي يجب أن تكون كمرجع موحد لكافة المواطنين، بحيث يتساوى الجميع أمام قوانين الدولة ولا يخضعون للسلطة المزاجية للحاكم، فالدستور والقانون يجب أن يكونا هما الفيصل الوحيد ورأس الدولة الذي يجب أن يمتثل أمامهما الجميع بدءا من المواطن العادي وصولا إلى الحاكم أو القائد الأعلى للدولة.

إنها بالفعل أصنام بشرية صنعناها بأيدينا وقدسناه لحد العبادة، إنها أصنام صنعناها لدرجة أننا عندما نواجه مشكلة صغيرة بحياتنا اليومية نتهرب من مسئولية مواجهتها ونتهرب من التحديات التي تعترضنا فنهرع إلى لوم الآلهة البشرية التي نعبدها ونناشدها في كل مرة لتنقذنا وننسى أو نتناسى أننا نتحمل المسئولية الكبرى عن حياتنا وقراراتنا ومستقبلنا وحتى قدرنا.

إننا نتجاهل أيضا أن هذه الأصنام الآدمية ما هي إلا بشر مثلنا لا تملك أن تقدم لنا الحل السحري لمشاكلنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إنهم بشر عاديون كانوا أيضا يعبدون أصناما بشرية أخرى مثل بعضنا وقد تحطمت أيضا أصنامهم عبر الزمن.

لذا يجب علينا كشعوب عربية واعية بدلا من أن نصنع أصناما بشرية، أن نقوم بالعمل على المطالبة بتطوير مزيد من القوانين المدنية التي يجب أن تحافظ وتحمي حقوقنا الأساسية ويجب علينا كمثقفين عرب أن ندعو إلى تعزيز سلطة الدستور والقانون، وأن لا نقدس سوى الخالق وأن نبتعد عن تقديس البشر مهما كانت سلطتهم، فلا خلود لإنسان على وجه الأرض، فالبشر زائلون والوطن هو الباقي!

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد