حذرت صحيفة الغارديان في افتتاحيتها، الجمعة 29 يناير/تشرين الثاني 2016، من تراجع موقف أميركا والدول الأوروبية من المعارضة الروسية، معتبرة أنه رغم ضعفها فإن عدم حضورها محادثات جنيف سيكون بمثابة سحب "الشرعية" من الوفد المفاوض.
وفي المقال الذي عنونته بـ"الدبلوماسية الزائفة ليست دبلوماسية"، قالت الصحيفة إن الموقف الذي تنتهجه روسيا وأميركا بمنح الأسد اليد العليا في سوريا سيقود إلى تعزيز موقف تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، ويُظهره وكأنه الوحيد الذي يستطيع الدفاع عن المسلمين السنّة.
وختمت افتتاحيتها قائلة إن المحادثات من أجل الكلام قد توهم بإحراز تقدم، ولكن كلفتها باهظة بالنسبة للسوريين، وبالنسبة لأمن دول الغرب أيضاً. والدبلوماسية الزائفة ليست دبلوماسيةً.
نص المقال كاملاً
لا توجد قضيةٌ أكثر إلحاحاً من وضع نهايةٍ للمأساة الإنسانية الفظيعة وعدم الاستقرار الإقليمي القاتل الناجم عن الصراع السوري. فهذه حربٌ قُتل فيها 300 ألف شخص وسببت نزوح نصف سكان سوريا، علاوةً على هروب نحو 4 ملايين شخص من البلد الذي مزقته الحرب.
لقد أصبحت سوريا أسوأ كارثة إنسانية في عصرنا، كما أن مأساة السوريين تهدد استقرار أوروبا وتضعف مؤسساتها. إن كانت الأزمة الإنسانية غير كافية وحدها، فإن الحاجة إلى حلِّ مصدر أزمة اللاجئين في أوروبا يُعدُّ سبباً كافياً للاهتمام بمحادثات السلام المقرر أن تبدأ يوم الجمعة في جنيف. لكن جمعَ أطراف النزاع حول طاولة المحادثات يبدو عصيّاً.
في المناخ الحالي، يبدو الهدف المعلَن للمحادثات مفرطَ التفاؤل، فوفقاً لقرار الأمم المتحدة الذي صدر في شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، تهدف المحادثات إلى تنظيم اجتماعٍ لممثلي كلٍّ من نظام الأسد ومجموعات المعارضة؛ أملاً بالوصول إلى تشكيل حكومةٍ جديدة، وإجراء انتخابات لاحقاً.
في هذه المرحلة من الحرب المدمرة، من المغري أن ينظر المرء إلى أن مجرد احتمال عقد هذه المحادثات هو إنجاز بحد ذاته، لكن، ولأسباب عديدة، ثمة خطرُ ألا تصل هذه المحادثاتُ إلى نتيجةٍ عدا الدبلوماسية الزائفة.
أولاً، حُذفت مسألة حماية المدنيين السوريين من أجندة المحادثات، ولا يمكن إحرازُ تقدمٍ دون الاهتمام بمأساتهم.
ثانياً، يبدو أن القوى الغربية قدَّمت تنازلات سياسية جوهرية لروسيا وإيران، الداعمين الأساسيين لنظام الأسد. بالنتيجة، سيشعر الديكتاتور السوري بسلطةٍ أكبر تمكِّنه من الاستمرار في الاستهداف العشوائي لشعبه ومواصلة حرب الاستنزاف، معتقداً أنه سيخرج منتصراً في النهاية.
لطالما كانت الدبلوماسية عمليةً بطيئة. ستكون دائماً ثمة انتكاساتٌ، شكوك ونقاطٌ سلبية. استغرق الاتفاق النووي مع إيران سنواتٍ من الجهد الصبور، وكذا كانت الحال في اتفاق باراك أوباما مع كوبا.
لكن الدبلوماسية لا تقتصر على الكلام، كما لا يمكن اختصارها في وضع مجموعةٍ من الناس في غرفة، أو وضع جدول زمنيٍّ لقمّة، ففي النهاية يجب أن تنبني على أسس، وثمة إحساسٌ الآن بأن إدارة أوباما تحاول تسريع المحادثات دون الاهتمام بالأسس، وفي الحقيقة يبدو أنها تحاول استثمار الوقت، إذ قد دخلت عامها الأخير، بدلاً من معالجة الأسباب الجوهرية التي جعلت الحرب تستمر كل هذا الوقت.
ومع اقتراب موعد المحادثات تلاشى الحديث عن قرارات الأمم المتحدة التي طالبت بإنهاء استخدام البراميل المتفجرة، وإنهاء الحصار الذي تعرِّض الناس له في مضايا وغيرها من البلدات للموت جوعاً، وإنهاء كل الفظائع الجماعية التي يتعرض لها السوريون على يد جيش الأسد.
رفضت المعارضةُ خوض المحادثات ما لم يتم الإيفاءُ بهذه المطالب، ومن الصعب اعتبار هذا الرفض تطرفاً. مع ذلك، حاولت الإدارة الأميركية أن تضغط على المعارضة، مهددةً بقطع الدعم عنها. هذا الضغط لا يبني الثقة، كما أنه لن يقود إلى اتفاق محتمل.
بالمقابل، تطالب كلٌّ من روسيا وإيران بأن يتم تعديل وفدِ المعارضة إلى محادثات جنيف بحيث يتضمن شخصياتٍ يوافق عليها نظام الأسد وتتناسب مع مصالحهما. إن لم ترفض الولايات المتحدة وحلفاؤها هذا المطلب، فإن هذا سيقتل شرعيةَ الوفد في نظر السوريين أنفسهم، ويقضي على كل أملٍ في مفاوضاتٍ حقيقية.
علاوةً على ذلك، تحدث وزير الخارجية الأميركي جون كيري عن حكومة "وحدةٍ وطنية" في سوريا، وليس حكومة "انتقالية". مثل هذه المفردات لا تُحاكي المفردات التي تستخدمها روسيا فحسب، بل تتناقض مع الوثيقة الأساسية التي من المفترض أن المحادثات تعتمد عليها: بيان جنيف لعام 2012 الذي دعا إلى انتقال سياسي يقبل به طرفا النزاع. حتى أن واشنطن لم تعد تقول إنه من غير المسموح لبشار الأسد أن يخوض الانتخابات.
إن كان ثمة أي أملٍ للسلام في سوريا، فيجب أن تنبني المحادثات على أسسٍ صلبة. بعد الانتكاسات الأخيرة التي عانت منها المعارضة، قد يبدو من السهل الضغط عليها، لكن الضغط يجب أن يكون على داعمي الأسد في موسكو وطهران.
ويبدو أن واشنطن تعتقد أن روسيا ستدعم في النهاية الوصول إلى حلٍّ في سوريا يستبعد الأسد، كما تعتقد أن التعاون مع روسيا يجب أن يستمر تحت كل الظروف، لكن روسيا تبدو حتى الآن عازمةً على التقليل من شأن المحادثات بدلاً من تفعيلها. والأسوأ أن منح الأسد اليد العليا في سوريا سيقود إلى تعزيز موقف تنظيم "الدولة الإسلامية" ويُظهره وكأنه الوحيد التي تيستطيع الدفاع عن المسلمين السنّة.
إن المحادثات من أجل الكلام قد توهم بإحراز تقدم، ولكن كلفتها باهظة بالنسبة للسوريين، وبالنسبة لأمن دول الغرب أيضاً. والدبلوماسية الزائفة ليست دبلوماسيةً.