الكاتب الليبي خالد مطاوع: الثورة لم تنته بعد.. ربما بدأت للتو

عربي بوست
تم النشر: 2016/01/27 الساعة 12:51 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/01/27 الساعة 12:51 بتوقيت غرينتش

بعد 5 أعوام على اندلاع الثورة الليبية التي أطاحت بالزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، يستعرض الكاتب خالد مطاوع ما آلت إليه مدينة بنغازي مهد الثورة.

الكاتب الليبي ذكر في مقال بصحيفة الغارديان البريطانية، أن التفجيرات التي تقع كل يوم في المدينة، اعتاد الناس عليها رغم قسوتها وخسائرها الفادحة، واصبحوا يتوقعون مصدر التفجير وخسائره عند سماعهم لصوته.

وأضاف مطاوع أن مدينته باتت تعجُّ بالأزمات اليومية من الطاقة إلى الوقود إلى النفايات التي أصبحت في كل مكان، حتى أصبحت الحياة مستحيلة في بنغازي.

واختتم مقاله بـ"لا شك لدي أن بنغازي سوف تقهر الإرهاب والتطرف، ولكن هذا سوف يستلزم المزيد من الجهد وتغيرات هائلة لإصلاح كل الضرر الذي خلّفه نظام القذافي وخلفتها جهود التخلص منه في جسد المدينة وروحها. الثورة لم تنته بعد، وربما قد بدأت للتو".

وإلى نص المقال

يبدأ الطريق إلى بنغازي بمطار الأبرق بمتاريسه المفتوحة حيث يتم تحميل الأمتعة على قطار من العربات التي يتعين على المسافرين التفتيش بينها لاستعادة مقتنياتهم. تتقطع الرحلة التي تبلغ 230 كم حين المرور عبر العديد من نقاط التفتيش، التي توفر إحساساً بالأمان، والعديد من مطبات تخفيف السرعة التي تضاعف طول الرحلة. في هذا الوقت من العام، تكون جبال برقة الخضراء جميلة للغاية بسهولها المكسوة بالحشائش وسمائها الرائعة.

يرافقني في هذه الرحلة أشرف خليل، الأستاذ المساعد ورئيس قسم الهندسة الكهربائية بجامعة بنغازي، وهو لاجئ نازح فرّ من منزله بالقرب من الجامعة في أكتوبر/تشرين الأول 2014 حينما أدى الصراع إلى إغلاق الجامعة ولم يعد بإمكان المواطنين الوصول إلى النصف الغربي من المدينة الخاضع لسيطرة أنصار الشريعة وتنظيم داعش.

وبعدما نسلك العديد من الطرق الجانبية الوعرة، نصل في النهاية إلى مدرسة النور الابتدائية. ونقف في ساحة للسيارات تمتلئ ببقع زيت المحركات في انتظار خروج الأطفال. في الواحدة ظهراً، تصبح المدرسة كلية الهندسة بجامعة بنغازي. وبالداخل، يجتمع الفتيان والفتيات في مجموعات يتحدثون ويرتشفون القهوة أثناء انتظار موعد المحاضرات. نسمع صوت طائرة حربية تحلق فوقنا ويخبرني الطلاب أن أصوات الانفجارات تأتي ربما من جبهة الصبري وسوق الحوت.

وأتوجه من الكلية إلى مهرجان "هنا بنغازي" وأصل أثناء استراحة الغداء وأجد مئات من الأشخاص ينتظرون انعقاد الجلسة الختامية بينما يتدفق العشرات وأنا أتحدث مع المنظمين وأتواصل مع أصدقائي.

وتتضمن الاحتفالية التي تستمر على مدار أسبوع كامل مسرحيات جديدة والعديد من الحفلات وقراءات الشعر والقصص ومعرضاً للكتاب ومعرضاً فنياً. الجو العام مرح، لكن الفوضى واضحة. تقع الانفجارات مرة أخرى، ربما تكون من جبهة الليثي هذه المرة. تنتشر أعقاب السجائر في كل مكان إذ تمتلئ صناديق القمامة بقصاصات الورق.

أترك المهرجان لزيارة مجموعة من الفنانين الذين يتولون إدارة منظمة تاناروت الجديدة للفنون. تعرض المنظمة الأفلام الأوروبية فقط في قاعتها الصغيرة حيث تُعقد أيضاً ورش عمل فنية للأطفال والفنانين الشباب. تنقطع الكهرباء أثناء حديثنا ويقوم المسؤولون بتشغيل المولد لفترة قصيرة لإعداد القهوة. يشغلونه لفترة قصيرة لنقص الغاز. تعمل المجموعة من خلال دعم محدود للغاية وتواجه تحديات هائلة. أحييهم ونضع خططاً للتعاون معاً في المستقبل.

أغادر تاناروت في أول المساء. وبينما أسير صوب المنزل حيث يقيم أقاربي النازحون، أضطر إلى القفز فوق أكوام القمامة التي تنبعث منها رائحةٌ أصبحت مألوفة. ثمة طابور طويل من السيارات التي تنتظر التزود بالوقود أمام محطة الغاز المجاورة. أسمع أصوات الانفجارات ثانية، ربما تكون قادمةً من بيلون أو الهواري.

بنغازي مدينة محاصرة مفجوعة، تحارب الإرهاب ويخضع جيشها للحصار وتفتقر إلى القيادة المحلية. يناضل مواطنو بنغازي أيضاً ضد تراث الوحشية والفساد بروح عالية ومن خلال نفس العادات والأدوات. لا شك لدي أن بنغازي سوف تقهر الإرهاب والتطرف، ولكن هذا سوف يستلزم المزيد من الجهد وتغيرات هائلة لإصلاح كل الضرر الذي خلفه نظام القذافي وخلفتها جهود التخلص منه في جسد المدينة وروحها. الثورة لم تنته بعد، وربما قد بدأت للتو.

خالد مطاوع – كاتب ليبي

تحميل المزيد