في أواخر عام 2014، قامت رولا خلف من صحيفة Financial Times البريطانية بزيارة لقوات البيشمركة على الحدود الشمالية للعراق بالقرب من منطقة المواجهات مع تنظيم داعش، حيث كانت الروح المعنوية للمقاتلين الكرد قد بلغت ذروتها بعد تذبذبها، إذ كانوا قد استعادوا السيطرة على بعض الأراضي من التنظيم الذي كان قد استطاع الاستيلاء على مدينة الموصل في يونيو، وقتل وشرد الأقليات العرقية في المناطق الخاضعة لسيطرته.
أثبت المقاتلون الكرد كفائتهم ليصبحوا الحليف الأول للدول الغربية في الحرب ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) حيث بدت القوى الإقليمية الأخرى أكثر تردداً في الانضمام إلى التحالف.
الحكم الذاتي على المحك
مع استمرار كون الحكم الذاتي للمناطق الكردية على المحك، واقتراب حلم تكوين دولة مستقلة، لم يتراجع الكرد أبداً عن هدفهم وإصرارهم على هزيمة داعش. ولهذا السبب، كان الكرد الحليف الأفضل دائما لحكومات الغرب، إلا أن هذا الهدف المصيري جعل من قوات البيشمركة تترك الكثير من القصص المؤلمة في القرى والمدن التي استطاعوا تحريرها من قبضة التنظيم، بحسب ما ذكرته الصحفية.
تكاثرت القصص والروايات حول انتهاكات البيشمركة، وقبل عدة أيام وصلت إحصاءات شاملة عن الموضوع.
تقول رولا خلف أن صديقةً لها قد سلمتها تقريراً كتبته لمنظمة العفو الدولية بناءاً على تحقيقات أجريت على مدار أكثر من عام في المناطق التي استطاعت قواة البيشمركة السيطرة عليها.
استند التقرير على الزيارات وصور الأقمار الصناعية واللقاءات مع السكان الذين تم تشريدهم ليرسم صورة مزعجة للغاية عن هذه القوات. السكان العرب في تلك المدن والقرى والذين كانوا قد نزحوا إلى الشمال الكردي تم منعهم بالقوة من العودة إلى منازلهم، حيث تم رصد الكثير من الحالات التي قامت فيها قوات البيشمركة بتدمير المنازل للتأكد من أن السكان المحليين لن يكون لهم مكان ليعودوا إليه. ووفقاً لمنظمة العفو الدولي، فعمليات التهجير القسري للسكان تُعامل معاملة جرائم الحرب.
أحد الأمثلة الواضحة على هذا الأمر هي مدينة جلولاء التابعة لمحافظة ديالا غرب العراق والقرى القريبة منها، حيث رصد باحثون تابعون لمنظمة العفو الدولية أن 87 ألفاً من السكان الأصليين -أغلبهم من العرب- لم يعودوا إلى بلدتهم بعد مرور أكثر من عام على خروج تنظيم داعش منها، وتفسر المنظمة هذا الأمر بتدمير أغلب المنازل إما بواسطة داعش أو أثناء المعارك الدائرة لاستعادة المدينة أو بواسطة قوات البيشمركة والميليشيا الشيعية بعد استعادة المدينة.
أحد الأمثلة الأخرى هي قرية "بارزانكي" العربية في محافظة نينوى شمالي العراق، والتي تم تحريرها من قبضة داعش منذ صيف 2014. وفق منظمة العفو الدولية، فقد تم تفجير أغلب المنازل تباعاً حيث بررت البيشمركة الأمر بأن سكان القرية كانوا قد ساعدوا تنظيم داعش.
عَمَد المسؤولون الكرد الرسميون إلى إنكار وجود أي إستراتيجية لتهجير السكان العرب وأنهم يقومون حالياً بتجهيز ردٍ مفصلٍ على تقرير منظمة العفو الدولية، ومع ذلك، يجب أن ينظر لتلك الإنتهاكات من منظورٍ تاريخيٍ أيضاً، خاصةً وأن مصير القرى العربية التي تقع في المناطق المتنازع عليها يجب أن يتم تقريره بالتفاوض بين بغداد وحكومة إقليم كردستان، حيث كانت بعض القرى الكردية قد تعرضت للتعريب تحت حكم صدام حسين.
محاولة لعكس الواقع
ربما يُفسر البعض استعادةَ السيطرة الكردية على الأراضي كمحاولة لعكس الظلم الواقع عليهم سابقاً في ظل ديكتاتورية البعث الذي يؤيد معظمُ أعضائه السابقين تنظيمَ داعش حالياً، إلى جانب تأييد بعض العرب في العراق للتنظيم وتعاونهم معه مما يجعل مسألة عودة التنظيم خطراً قائماً دائماً. إلا أن السؤال المطروح هو: هل يبرر ذلك تفجير المنازل وإجبار السكان على العيش كلاجئين بعيداً عن منازلهم؟ بالتأكيد لا. صحيح أنه أصبح من الصعب أن يعود العراق دولةً واحدة متحدة مع زيادة الاحتمالات بإنفصال كامل للكرد، إلا أن البعض يسعى لإثارة الفتنة بين العرب السنة والكرد والأقليات العرقية الأخرى.
ورغم أن غالبية الكرد هم من السنة، إلا أنهم دائماً ما صنفوا أنفسهم كأقلية عرقية وليس دينية، ويدركون جيداً أن التنظيمات الإرهابية كتنظيم داعش تقوم بالأساس على إحساس السنة بالتهميش. تقول الكاتبة أن جزءاً أساسياً من المشكلة الحالية هي إهمال الحكومة العراقية الشيعية لتحذيرات المسؤولين الكرد من معاملتها السيئة للأقلية السنية قبل عام 2014، حيث يرى الكرد أن الغضب السني ساهم بشكل أساسي في زيادة قوة الجهاديين.
لم تتوقف الإعتداءات على السنة في العراق عند هذا الحد، بل ساهمت الميليشيات الشيعية بتدمير منازل السنة أيضاً في المناطق التي استطاعوا استعادتها من تنظيم داعش، ما ضاعف خيبة أمل السنة أكثر وأكثر. بدون سياسةٍ واضحةٍ لإحتواء الأقليات، لن يكون هناك أيُ أملٍ حقيقي في هزيمة تنظيم داعش، كما أن القتال بين المجموعات المختلفة داخل العراق يفوق في تدميره ما تقوم به داعش.