"دواء يتيح لك التخلص من الكوابيس والتحكم بأحلامك"، استوقفني هذا الخبر طويلا، قرأته عدة مرات، بحثت عن المنتج، قرأت مكوناته وكيفية استخدامه والتي تقتضي تناول إحدى الحبتين قبل النوم والأخرى بعد أربع ساعات، مما يعني استيقاظك في منتصف الليل، وهي بالنسبة لي طريقة غريبة لدواء يساعدك على النوم.
وقرأت أغلب التعليقات التي دونها المستخدمون على صفحة المنتج المعروض للبيع في أسواق أوروبا من خلال أمازون، ورغم تضارب فعالية الدواء لمستخدميه، إلا أن الغالبية أشادت بالنتائج، كالتخلص من الأرق والدخول في مرحلة النوم العميق سريعا، ورؤية أحلام واضحة ومريحة وقدرة بعضهم على التحكم بأحلامهم، فبدلا من كابوس السقوط من العمارة استطاع أحدهم أن يحول هذه الحلم إلى تجربة طيران سعيدة.
هذا الدواء يحتوي مواد طبيعية مستخلصة من الأعشاب، ويوفر لك حسب الموقع الرسمي لهذا الدواء نومًا متوازنًا بمراحله المختلفة، وسيجعل أحلامك أكثر سعادة ووضوحا كأنها بتقنية HD، وستستطيع أن تتذكر أحلامك بعد أن تستقيظ.
بعد كل هذه التفاصيل، تذكرت دراسة قرأت عنها من فترة تشير إلى قيام العلماء باختبار مكونات دوائية يمكن أن تساهم في التخلص من الذكريات المؤلمة طويلة المدى والتي عادة ما تكون بسبب حوادث مؤلمة حدثت في فترات ماضية كالاعتداء الجنسي أو الاعتداءات الحربية والإرهابية لتسبب ما يعرف باضطراب ما بعد الصدمة.
ولعلنا سنكون في أمس الحاجة لمثل هذه الأدوية، لإنقاذ أجيال من النساء والأطفال الذين لم تقتل أجسادهم الحروب في العراق وسوريا وفلسطين وغيرها، ولكنها شوهت أرواحهم واغتالت طفولتهم ومرَّرت طعم الحياة في أفواهٍ بالكاد تعلمت حروف الكلام وبعض ترانيم الطفولة.
ولأولئك السالمين الغانمين البعيدين عن صدمات الحرب والتجويع، تحدث صدمات من نوع آخر، وموت بطيء أحيانا بأيد أكثر نعومة أو أكثر غدرا رغم نعومتها، فيبحث المحب المغدور عن دواء يساعد على الْتآم جروح القلب ويلم هشيم الروح المتناثر بعد حالة حب.
أو يحدث أحيانا أن يظل الحب، لكن الفراق يطرق الأبواب ويتخطف الخطوات، فتبتعد الأجساد وتتنازع الأرواح بين هنا وهناك، ولعل الرحيل الأصعب ليس الانتقال من بلد إلى آخر، ولكن هو الانتقال من وجه الأرض لباطنها حيث يموت الأمل باللقاء دون أن يموت الشوق إليه.
فمن يستطيع أن يداوي الشوق، أن يلأم جرح القلب، أن يعيد للروح رونقها وللشفاة ابتسامتها؟ أي حبة حمراء أو زرقاء أو خضراء تطفئ لهيب الشوق إن اشتد، تمنحك صباحا دون حنين، ومساء دون دموع؟ أي دواء يقتل ارتباطك بأغنية سمعتماها معا؟ يكسر أطيافكما في الأماكن التي مررتما بها؟ يخفي صوت ضحكاتكما أو غنائكما أو حتى بكائكما؟
هذه الأمنية بالحصول على هكذا أدوية تذكرني بما كتبته أحلام مستغانمي في روايتها "عابر سرير": "عاودتني تلك الأمنية ذاتها: ليت صوتها يباع في الصيدليات لأشتريه. إنني أحتاج صوتها لأعيش، أحتاج أن أتناوله ثلاث مرات في اليوم.
مرّة على الريق، ومرة قبل النوم، ومرة عندما يهجم عليّ الحزن أو الفرح كما الآن.
أيّ عِلم هذا الذي لم يستطع حتى الآن أن يضع أصوات من نحب في أقراص، أو في زجاجة دواء نتناولها سرًّا، عندما نصاب بوعكة عاطفية بدون أن يدري صاحبها كم نحن نحتاجه".
نعم لقد الوصل العلم حدًّا مدهشا من التطور، ولن يكف يوما عن إدهاشنا وربما أحيانا صدم إنسانيتنا حين يخرج من رحم العلم ما يزيد الظالمين ظلما والقاتلين فجورا وعنفا.
غير أن الحقيقة التي لن تتغير رغم قلة المؤمنين والعاملين بها أن الإنسان فيه الداء والدواء، والإيمان الصادق والحب الحقيقي والعطاء الخالص قادر على تحويل المحنة إلى منحة، والعقبة إلى عتبة..
وحتى إشعار طبي آخر، لن تسقط آثار الحرب إلا بالحب، ولن يجبر الكسر إلا بالحب، ولن تهنأ عين بنوم، وتسعد أخرى بتحقيق حلم إلا بالحب.
وكما قال الإمام علي بن أبي طالب فيما ينسب له:
دواؤك فيك وما تشعر *** وداؤك منك وما تُبصر
وتحسب أنّك جرم صغير*** وفيك انطوى العالم الأكبر
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.