بعد مرور 5 أعوام على ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، بما فيها من فرح وحزن اعترى، الناشطين السياسيين والمفكرين المصريين مما آل إليه مصير الثورة المصرية، فإنه لا يوجد أمل في التغيير، بعد إغلاق كل المنافذ السياسية والديمقراطية في مصر.
الكاتبة المصرية أهداف سويف استعرضت في مقال لها بصحيفة "الغارديان" البريطانية، ما وصلت له الثورة المصرية خلال الخمسة أعوام السابقة، من قتل واعتقال للمتظاهرين، و"خطف جنرالات العسكر" لثورة الشباب السلمية.
وقالت إن النظام الحاكم يحاول أن يحوز كل شيء، فهو ينسب نفسه إلى "ثورة 25 يناير المجيدة"، كما أنهم يتغنون بحمد "شباب مصر"، ولكنهم يشنون حربهم المميتة ضد كل شخص كانت له علاقةٌ بالثورة.
وأصبح كل ما تريده سويف في ذكرى الثورة الخامسة هو أن تنقضي دون مزيد من قتل أو اعتقال أو اختفاء الشباب؛ وأن يبقى النيل والشمس في مكانهما يوم 26 من يناير. "وبعدها سوف نبقى نحن هكذا ننضج على النار الهادئة لبعض الوقت، ونرى الذي سنكون عليه عندما نصل مرّة أخرى إلى درجة الغليان".
وإلى نص المقال
أنا إلى جوار النهر، في صباح مشمس ولطيف من يناير، وثمة أمور مفروغ منها ويُعتمد عليها تمامًا منذ آلاف السنين. فالنيل يجري من الجنوب إلى الشمال، وينفتح في الدلتا، والشمس تبحر عبره، من الشرق إلى الغرب. وكلاهما معًا يصنعان علامه عنخ؛ رمز الحياة.
النهر الآن مُلوث بكل شيء؛ من مياه الصرف إلى كيماويات المصانع، وقريبًا سنرى أثر سد النهضة الإثيوبي: فالنهر سوف يجري على نحو منخفض، وقد يجف. أرضنا الغنية، بتربتها السوداء التي منحت مصر اسمها الأول "كيميت"، تتعرض للتدهور، فلم تعد تتجدد بطمي النهر، وتتعرض للتعدّي والبناء عليها.
ونحن نرفض أن نعامل الشمس كصديق لنا ونستمد منها الطاقة، وبدلًا من ذلك نوقّع اتفاقيات لاستيراد الفحم واتفاقيات لبناء محطة للطاقة النووية، بينما تنهار لدينا البنية التحتية نتيجةً لنقص الاهتمام والصيانة.
في موجة العمل والتفاؤل التي جاءت مع ثورة يناير/كانون الثاني 2011، توجهت وفود الشعب إلى الجنوب، لإصلاح العلاقات التي تآكلت بفعل ثلاثة عقود من الإهمال الفج، لاستكشاف سبل التنمية المشتركة مع دول حوض النيل. كل هذا ذهب الآن، شأنه شأن الكثير من يناير 2011؛ كالحياة والمعيشة والأفكار والطاقة والأمل.
وفي الوقت نفسه؛ فإن النظام الحاكم يحاول أن يحوز كل شيء، فهو ينسب نفسه إلى "ثورة 25 يناير المجيدة" ولكنه يقبع بين ذراعي كماشة "عيد الشرطة، والذي هو أيضًا في يوم 25 يناير، و"ثورة 30 يونيو"؛ عندما خرج الناس ضد الإخوان المسلمين، وكان الباب مفتوحًا للجنرالات للاستيلاء على السلطة. إنهم يتغنون بحمد "شباب مصر"، ولكنهم يشنون حربهم المميتة ضد كل شخص كانت له علاقةٌ بالثورة.
المئات منهم يقبعون خلف الأسوار، العشرات مُختفون، وفي تصعيد جرى الشهر الماضي، أحدهم تعرض للطعن وتُرِك للموت في محطة مترو مركزية بالقاهرة. هؤلاء الشباب غير مرئيون تقريباً، فحكومات العالم والإعلام يصرون على الثنائية القديمة: النظام العسكري في مقابل الإسلاميين.
ثلاث حقائق رئيسية:
الأولى: أن الناس خرجت في يناير 2011 تحت شعار واضح "العيش، الحرية، العدالة الاجتماعية".
والثانية: أنه على نقيض كل الادعاءات، فلا أحد جعل الناس يخرجون. نعم؛ النشطاء عبروا عن مطالبهم ووضعوها في إطار سياسي؛ سهّلوا الاحتجاجات والاعتصامات؛ وحاولوا حماية وإنقاذ الأفراد من مبارك والشرطة والجيش، ولكن الناس -نتيجة تقاطع معين من الظروف- خرجوا من تلقاء أنفسهم، وكانوا يعرفون ما يريدون.الثالثة: أن الناس يدركون أنهم أبعد من أي وقت مضى عن أهدافهم. فعمليات القتل التي يعانونها، والفترة الفاشية حين تواطئوا في قتل الآخرين، كل ذلك بلا جدوى. والمشاريع الكبرى التي تتباهى بها الدولة، حتى وإن كانت حقيقية، فلن يكون لها أثر على حياة الفقراء.
وعدد المواطنين العاديين المحتجزين، والذين تساء معاملتهم من قِبل الأجهزة الأمنية أعلى من أي وقت مضى، وحتى في حربه المختارة "الحرب على الإرهاب"؛ فقد فشل النظام؛ فجنودنا ومواطنونا يُقتلون في سيناء كل يوم، والبنية التحتية اللازمة لحياة الناس اليومية من مستشفيات ومدارس ومواصلات وتوظيف تزداد سوءاً. والأسباب التي خرج من أجلها الناس في 2011 ما زالت قائمة، وأكثر حدّة.
ومع ذلك فإن هناك اختلافات بين الآن وذلك الحين. فالأمل والبهجة التي خلفها رحيل بن علي عن تونس، استبدلت بالرعب من المشهد الذي تبدو عليه ليبيا وسوريا واليمن، فالناس يشعرون أنهم جرّبوا المتاح لديهم، الثورة، والإسلام السياسي، ولم يفلح شيء، وهم يتساءلون "أين البديل"؟.
والنظام يحاول أن يضمن أنه لا يوجد بديل؛ فالجمعيات محظورة، الانتخابات الطلابية، تُلغى ويتم إغلاق الأماكن الثقافية. الصحفيون والمصورون والطلاب والأطباء والمهندسون يعانون ظروفًا قاسية في السجون.
لذا فإن الانفجار، عندما سيأتي، سيولد من اليأس لا من الأمل. سيكون انفجار الناس الذين شهدوا القتل أو تفادته أعينهم خلال خمس سنوات، الناس الذين لم يعودوا أبرياء.ولن يكون هناك قبول لدعوات نبذ العنف، وعلى أي حال فإن نشطاء اللاعنف الأكثر تأثيرًا، إما ماتوا أو في السجن، أو غادروا البلاد. ومع اقتراب ذكرانا السنوية الخامسة، فالفزع الذي يحمله النظام الحاكم يبدو أكثر وضوحاً يوماً بعد يوم.
وبشكل شخصي؛ كل ما أريده في ذكرى الثورة الخامسة، هو أن تنقضي دون مزيد من قتل، اعتقال أو اختفاء الشباب؛ وأن يبقى النيل والشمس في مكانهما يوم السادس والعشرين من يناير. وبعدها سوف نبقى نحن هكذا ننضج على النار الهادئة لبعض الوقت، ونرى الذي سنكون عليه عندما نصل مرّة أخرى إلى درجة الغليان.
أهداف سويف؛ مؤلفة كتاب: "القاهرة: مذكرات لمدينة تحولت" – صادر عن دار نشر بلومزبري.