لم يستسلم سكان مدينة تعز للحصار، حيث لجأ نشطاء وسكان إلى إمداد المستشفيات بمادة الأكسجين عن طريق التهريب عبر مرتفعات جبلية، بعد سيطرة الحوثيين على جميع المنافذ الرئيسية. ونظراً لعدم وجود طرقات معبدة في الجبال الوعرة، يتم نقل مستلزمات المستشفيات على ظهور الجمال والحمير عبر قمة جبل صبر، حيث توجد أقرب نقطة لوصول السيارات.
وعلى الرغم من إعلان منظمات دولية، الأسبوع الماضي، تمكّنها من كسر الحصار المفروض على تعز، للمرة الأولى منذ أشهر، ونقل إمدادات غذائية، وقيام مركز الملك سلمان للإغاثة بعملية إسقاط إغاثات جوّاً قبل ذلك، إلا أن مادة الأكسجين مازالت معاقبة من الوصول بطريقة شرعية إلى مستشفيات المدينة .
الدكتور "أحمد الدميني" رئيس قسم في مستشفى الثورة الحكومي وناشط إغاثي، قال لـ"عربي بوست" مازلنا نعتمد على التهريب، منسق الشؤون الإنسانية الأممي وصل وبرفقته نحو 100 إسطوانة أكسجين فقط" .
وأضاف "استهلاكنا في اليوم الواحد فقط يصل إلى 40 أسطوانة، كنا نأمل أن يقبل الوفد الحوثي بفتح ممرات آمنة للأكسجين، لكن ذلك لم يحدث".
ومنذ أغسطس/آب الماضي، شدّد الحوثيون الحصار على جميع منافذ مدينة تعز، وتحديداً الأحياء الخاضعة لسيطرة المقاتلين الموالين لحكومة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، التي انتقلت مؤخراً إلى عدن، جنوبي البلاد، بعد أشهر من النفي في العاصمة السعودية.
حقوقيون، يقولون إن مستشفيات المدينة دفعت الكلفة الفادحة جراء حصار الحوثيين، وبسبب انعدام مادة الأكسجين والمواد الطبية، وجدت 37 منشآة صحية من أصل 40 نفسها تخرج عن الخدمة، وتطرد المرضى بعيداً.
التهريب مستمر
الدكتور "سهيل عدنان الذبحاني"، مدير مستشفى الروضة الخاص، قال لـ"عربي بوست"، عبر الهاتف، إن المستشفى يتعامل مع مورّدين يقومون بإيصال قناني الأكسجين، إلى مناطق جبل صبر، جنوبي شرق المدينة".
ووفقاً للذبحاني، يعاني المورّدون بشكل لا يتوقع في عملية النقل ويخاطرون بحياتهم من أجل إيصال الأكسجين، حتى لا يقعوا فريسة في الحواجز العسكرية الخاصة بمسلحي الحوثي، أو ضحايا لرصاص القناصة وقذائف الهاون التي تستهدفهم مراراً.
و يروي الذبحاني، أن أحد موردي الأكسجين، وقع ذات مرة في أيدي دورية للحوثيين ببلدة الدمنة، شرقي المدينة، و لم يفرجوا عنه إلا بعد تفريغ 23 أسطوانة أكسجين في الهواء، وكتابة تعهد بعدم تكرار فعلته وتوريد الأكسجين للمستشفيات.
مهنة جديدة صنعتها الحرب
عملية تهريب الأكسجين إلى مستشفيات تعز المحاصرة كما تحولت إلى قضية إنسانية بالنسبة لناشطين يحملونها على أكتافهم من أجل إنقاذ الأرواح، جعل منها صغار التجار والموردين، مهنةً مربحة في زمن الحرب .
وحسب مدير مستشفى الروضة، يصل سعر أسطوانة الأكسجين الواحدة التي يبيعها لهم التجار الجدد أو ما يعرفون بتجار السوق السوداء، إلى 14 ألف ريال يمني، ما يعادل 70 دولاراً أميركياً.
يقول الذبحاني "صعوبة وصول مادة الأكسجين، وارتفاع ثمنها جعلنا نستخدمها للحالات الحرجة فقط، الأيام الماضية أغلقنا قسمي العناية المركزة والعمليات بعد انعدامها لأكثر من أسبوع، والأن لا نستخدمها سوى للحالات المعقدة".
و طبقا للذبحاني، مازال المستشفى يمتلك احتياطياً يكفيه لمدة 10 أيام من مادة الأكسجين، و بعدها قد يضطرون إلى إغلاق المستشفى مجدداً إذا لم تصل كمياتٌ جديدة قبل نفاذ الموجودة في المخازن .
ضحايا الأكسجين
تسبب نفاذ مادة الأكسجين من المستشفيات بوفاة أكثر من 10 أشخاص في مدينة تعز، خلال الأيام الماضية، بعضهم أطفالٌ حديثو الولادة، توقفت الحضّانات الخاصة بهم.
و طبقاً للمسؤول الإعلامي لائتلاف الإغاثة الإنسانية في تعز، أيمن المخلافي، فالضحايا مستمرون، وخصوصاً مع كثافة سقوط المدنيين بشكل يومي جراء قصف الحوثيين وقوات صالح على أحياء المدينة .
و قال المخلافي لـ"عربي بوست"، مازال الحصار مستمراً وخصوصاً للأكسجين، ومازالت نقاط الحوثيين في منافذ المدينة تحتجز 500 أسطوانة أكسجين تابعة لمنظمة الصحة العالمية منذ 14 ديسمبر الفائت .
معابر تفتيش ومنع دخول الأغذية
في الجهة الغربية لمدينة تعز، شيّد الحوثيون معابر أسمنتية في حي " الدحي"، وعبرها يُسمح بمرور المشاة من المدنيين، في ساعات معينة لنقل مواد غذائية بعد تفتيش دقيق، ويتم إغلاقه بشكل تام في أيام مختلفة .
وحسب، "محمد العديني"، وهو موظف حكومي، يتحكم مسلحو الحوثي بسكان المدينة في عملية الدخول بطريقة لا إنسانية، ويتم تكديس النساء والأطفال في طوابير طويلة لساعات طويلة.
يقول العديني، لـ"عربي بوست" يخرج الناس لجلب مواد غذائية وغاز منزلي لا يتوفر داخل الأحياء المحاصرة، لكن مسلحي الحوثي يقومون باستفزاز البعض وإتلاف المواد الغذائية والخضروات .
و وفقاً للدكتور، عبدالرحيم السامعي، وهو طبيب إغاثي "فقد انتقل الحوثيون، مؤخراً إلى وضعٍ خطير في تشديد الحصار وذلك باستخدام تصاريح دخول وخروج من وإلى مدينة تعز".
وقال إن "ما يحدث يفوق التصوّر، هذا الشيء لم يحدث حتى خلال نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، إبان حكم الأقلية البيضاء".