“كنت مخطئاً تماماً”.. روبين ياسين قصاب: لم أدرك التأثيرات الكارثية لسياسة الأسد

عربي بوست
تم النشر: 2016/01/24 الساعة 12:55 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/01/24 الساعة 12:55 بتوقيت غرينتش

اعترف روبين ياسين قصاب، الكاتب البريطاني من أصلٍ سوري أنه كان مخطئاً تماماً واعتقد أن النظام السوري رغم ما يعانيه الشعب من فقرٍ وبطالة وتضييق على الحريات لن يثور كما فعل التونسيون لأن الأسد يحظى بشعبية كبيرة، ولكن عمليات قتل الشباب في الشوارع وما حصل لسوريا من دمار وخراب وحل بالسوريين من تهجير غيَّر أفكاري.

وقال في مقال نشرته الغارديان البريطانية السبت 23 يناير/كانون الثاني 2016، "أخطأتُ في تقدير التأثيرات الكارثية لسياسة الأسد الليبرالية الجديدة وعملية إعادة الهيكلة الرأسمالية القائمة على الكثير من المحسوبية التي تبنّاها خلال العقد الماضي، وسرعان ما اكتشفت أنني كنت مخطئاً في تقدير الكثير من الأشياء الأخرى أيضاً".

وأضاف أنه منذ عام 2011، تعلّم ألا يثق في التفسيرات الجاهزة التي تقدمها الحركات اليمينية واليسارية، وتعلم التركيز على الجانب الإنساني بدلاً من سياسة الهوية التي وصلت إلى نهايةٍ مسدودة، واختار التركيز على مقتل 300 ألف ونزوح 11 مليون سوري في أكبر أزمة لاجئين منذ الحرب العالمية الثانية، كان سبب ذلك كله هو بشار الأسد.

وإلى نص المقال

"كنت مخطئا".. كُتَاب ومفكرون يتحدثون عن الربيع العربي بعد 5 سنوات

قبل خمس سنوات، طلبت مني جريدة الغارديان البريطانية أن أقيّم تأثيرات الثورة التونسية على بقية العالم العربي، وعلى سوريا تحديداً. كانت إجابتي أن سوريا لا تختلف كثيراً عن الدول الأخرى، حيث تعاني من أزمة البطالة وانخفاض الأجور والتضييق على المجتمع المدني، ولكنني عقبت قائلاً إنه على المدى القريب أو المتوسط، لا أعتقد أن النظام السوري سيواجه تحدياً مشابهاً للتحدي التونسي.

نُشر هذا التعليق بتاريخ 28 يناير 2011، وهو اليوم نفسه الذي قام فيه سوري يدعى حسن علي عقلة بإضرام النار في نفسه على طريقة محمد البوعزيزي اعتراضاً على نظام بشار الأسد. لم يلاحظ الكثيرون تلك الواقعة، ولكن في السابع عشر من فبراير، قام عددٌ من الحرفيين والتجار في حي الحريقة بدمشق بالردّ على عنف الشرطة بتنظيم مظاهرة رددوا فيها الهتاف الشهير "الشعب السوري ما بينهان"، كان هذا الحدث غير مسبوق.

بعد ذلك، أُلقِيَ القبض على بعض الفتيان في مدينة درعا وتم تعذيبهم لقيامهم برسم رسوم مناهضة للنظام على الجدران. وحين احتجّ أهلهم في 18 مارس، قتل على الأقل أربعة من المحتجين ومن هنا انطلقت دوامة الضحايا والتظاهرات وإطلاق النار في سوريا.

في 2011، كتبت مقالاً ذكرت فيه أن الأسد يحظى بشعبية كبيرة وأنه بقي هكذا بالنسبة للكثيرين حتى خطابه في 30 من مارس أمام مجلس الشعب السوري. علَّق الكثيرون الحكمَ على الأسد حتى ذلك الخطاب، متوقعين منه اعتذاراً عن سقوط القتلى وإعلان إصلاحات حقيقية. بدلاً من أن يقوم بذلك، استخدم الأسد لغة التهديد ونظريات المؤامرة، والأسوأ من ذلك ،أنه ضحك مراراً وتكراراً أثناء الخطاب.

أخطأتُ في تقدير التأثيرات الكارثية لسياسة الأسد الليبرالية الجديدة وعملية إعادة الهيكلة الرأسمالية القائمة على الكثير من المحسوبية التي تبناها خلال العقد الماضي، وسرعان ما اكتشفت أنني كنت مخطئاً في تقدير الكثير من الأشياء الأخرى أيضاً.

في إبريل 2011، قام النظام بمبادرات للصلح مع الإسلاميين والأكراد. في بادئ الأمر، ظننت أن هذه المبادرات ما هي إلا محاولات يائسة، لأن المظاهرات المتأججة في ذاك الوقت كانت قومية سورية وغير طائفية على الإطلاق. ثم أدركت أن التفسير الخاطئ كان مدروساً، ففي السنوات التالية سيحتاج النظام إلى تصوير الاحتجاجات من منظور عرقي وطائفي، وهذا ما حدث في نهاية المطاف على أرض الميدان.
"بشار الأسد هو القائد الحقيقي للثورة"، أخبرني أحد الشباب من دمشق، ثم شرح قائلاً: "في كل مرة يقتل أو يعذب فيها شخصاً ما، يخلق 10 أشخاص آخرين عازمين على تدميره". في البداية، اعتقدت أن النظام لم يكن ذكياً على الإطلاق لأنه استخدم الحل الأمني، ثم أدركت أنه كان أذكى كثيراً مما ظننت. لقد أدرك النظام أنه لن ينجو من عملية الإصلاح الحقيقي، فافتعل حرباً أهلية.

في البداية، كان القمع الوحشي للنشطاء السلميين وغير الطائفيين. تم اعتقال، تعذيب، قتل واختطاف عشرات الآلاف. في الوقت نفسه تم إطلاق سراح الجهاديين من السجون، ثم، استجابةً للعسكرة الحتمية للثورة، استخدم النظام سياسة الأرض المحروقة: أحرق الجنود المحاصيل وقتلوا المواشي، دُكَّت الأحياء المدنية بالمدفعية والطائرات المقاتلة وصواريخ سكود والبراميل المتفجرة وغاز السارين. أما سلسلة المذابح الطائفية التي ارتكبها النظام عام 2012 فقد غيرت طبيعة الصراع بشكل لا رجعة عنه.

في ذلك الوقت، فشل "أصدقاء الشعب السوري" في تسليح الثورة أو حماية الشعب من المجازر التي ترتكب بحقه. وبمساعدة غير مباشرة من الأسد، دخل الجهاديون الأجانب إلى سوريا. حتى يوليو 2014، كانت هناك معاهدة عدم اعتداء غير معلنة بين الأسد وتنظيم الدولة الإسلامية، وحتى اليوم، عندما يقاتل تنظيم داعش الجيش الحر، يقوم النظام السوري وروسيا بقصف الجيش الحر.

والآن يقول الأسد أن بقاءه في السلطة جوهريٌ لهزيمة الجهاديين، ويتفق الكثير من المعلقين على هذا الطرح، إلا أنني أرى أنهم يغفلون تماماً الجهود التي يقوم بها الشعب السوري نفسه في مقاومة الإرهابيين وعمليات الحروب بالوكالة الدائرة على الأراضي السورية. لهذا السبب، أصبحت الصورة لدى الغرب أن الخيار في سوريا أصبح إما بشار الأسد أو الإرهاب.

منذ عام 2011، تعلمت ألا أثق في التفسيرات الجاهزة التي تقدمها الحركات اليمينية واليسارية، وتعلمت التركيز على الجانب الإنساني بدلاً من سياسة الهوية التي وصلت إلى نهايةٍ مسدودة. على سبيل المثال، اخترت التركيز على مقتل 300 ألف ونزوح 11 مليون سوري في أكبر أزمة لاجئين منذ الحرب العالمية الثانية، كان سبب ذلك كله هو بشار الأسد. بالإضافة إلى النظر إلى الجوانب الإيجابية كالمجالس المحلية الثورية المنتخبة ديمقراطياً والتي يجب أن تكون جزءاً من الحل المستقبلي، أو كالثورة الثقافية التي أنتجت تجارب رائدة في الموسيقى والشعر والنقد والصحافة والتلفزيون.

مارس الشعب السوري الديموقراطية بقدر استطاعته حتى أغسطس 2013، وهو الوقت الذي بدت فيه الثورة المضادة وكأنها انتصرت، إقليمياً ودولياً. في مصر، وقعت في الشهر ذاته مجزرة رابعة التي دشنت بداية تصفية الإخوان المسلمين ثم كل المعارضين فيما بعد. وفي سوريا، اختفى "خط أوباما الأحمر" بشأن استخدام الأسلحة الكيماوية فقتل 1400 سوري بالسلاح الكيماوي. استمر الدعم الروسي للأسد بالسلاح، كما استمر الدعم الأميركي للجيش المصري.
الدعم الإيراني والروسي أنقذ نظام الأسد من الانهيار العسكري، على الرغم من انهياره بالفعل بعدما أسند الكثير من مهامه الأساسية لدول أجنبية وإقليمية، بالإضافة لفقدان أربعة أخماس مساحة الدولة. يسيطر الديمقراطيون الوطنيون المحاصرون، من العرب والكرد، على بعض أجزاء "سوريا المحرّرة"، بينما الكثير منها يخضع للجهاديين الأجانب.

الأزمة السورية تزداد بشكل طردي، والأمر الوحيد المؤكد الذي قام به الغزو الروسي هو توسيع مدى الحرب وإطالة زمانها.

إذاً، بعد خمس سنوات من الثورة: الكثير من الأصدقاء والأقارب فقدوا منازلهم، شهدوا المآسي، اضطروا إلى الهجرة سراً. لا شيء غير عادي، كل أسرة سورية، أياً كان انتماؤها، لديها مأساةٌ تحكيها. أغلبها في حداد. لن أستطيع أن أري أولادي معبدَ بل أو مئذنة مسجد حلب الأموي، فتلك الآثار التي نجت من الزلازل والغزو المغولي مدمرةٌ الآن، والنسيج الاجتماعي المعقّد للبلد تمزَّق بشكل لا يمكن ترقيعه.

شهدت سوريا أعماق الفساد الإنساني، لكن السوريين استطاعوا أن يثبتوا إبداعهم ومرونتهم وسط كل تلك الظروف المريعة. التغيير في سوريا وفي المنطقة يحدث بسرعة جنونية ويسير في اتجاهات متناقضة. أما عن النتائج النهائية، فسأقول هذه المرة إنه من المبكر، المبكر جدّاً، معرفتها الآن.

تحميل المزيد