بينما تتجه أنظار العالم إلى إيران والسعودية وسوريا، يزحف تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) إلى دولةٍ أخرى تغمرها الفوضى هي ليبيا، بحسب ما أعلن قادة الاتحاد الأوروبي.
ويعتقد المحللون أن هذه الخطوة قد تصبح نقطةَ ضغطٍ كبرى على أوروبا مستقبلاً.
فقد كتبت تينا فوردهام من مؤسسة Citi Research أن أحد المخاطر الجيوسياسية الأكثر وضوحاً التي قد تتعرض لها أوروبا في المستقبل القريب ستكون الاستيلاء الكامل أو الجزئي على ليبيا من قبل ميليشيات "داعش"، وفق ما ذكره تقرير لموقع بيزنس إنسايدر الأميركي، الخميس 22 يناير/كانون الثاني 2016.
وبينما انصرفت أنظار العالم إلى الحرب في سوريا، قامت داعش وبشكل منهجي بزيادة وجودها في ليبيا خلال عام 2015، وعلى ما يبدو أن هدفها هو تأسيس معقلٍ آخر غني بالنفط في العالم العربي، وهكذا تضيف حجراً جديداً إلى بنيان ما يسميه التنظيم "دولةَ الخلافة الجديدة".
ورغم أنه يبدو أن مشاكل ليبيا ليست ملحَّة بالنسبة لأوروبا حالياً، إلا أن فوردهام تشير إلى سببين أساسيين يجعلان من وجود داعش في ليبيا خطراً كبيراً:
1- إن التجربة الوحيدة الناجحة في الربيع العربي قد تكون هدفَ داعش التالي
حين يرسّخ تنظيم داعش كيانه في ليبيا، سيحاول على الأرجح أن يستغل الضعف الاقتصادي والسياسي للتجربة الوحيدة الناجحة في الربيع العربي، تونس، (ويجب ألا ننسى أن الحكومة الليبية المؤقتة التي تساندها الأمم المتحدة تتخذ من تونس العاصمة مقراً لها).
وتوضح فوردهام "سيتوجب على الغرب أن يكرِّس الكثير من مصادر دعمه لتعزيز الاستقرار في تونس خلال السنوات القليلة القادمة".
2- وجود التنظيم في ليبيا سيوفر له "القاعدة المثالية" لتنظيم المزيد من الهجمات على أوروبا
تحذِّر فوردهام من أن "احتمالات تورط الغرب في تدخلٍ عسكري في ليبيا خلال العامين القادمين عاليةٌ جداً".
من الجليّ أن الوضع الليبي يعاني من فوضى عارمة منذ سقوط معمر القذافي في عام 2011، إذ تتصارع حكومتان وعدد كبير من المجموعات المسلحة على السلطة. ولكن في منتصف شهر ديسمبر/كانون الأول 2015، توصلت وفودٌ من فصائل ليبية متعددة إلى اتفاق لتشكيل حكومة وحدةٍ وطنية.
يعتقد بعض المحللين أن هذه الخطوة قد تكون نقطة تحول كبرى في البلد، وبالتالي قد تعني أن نفط ليبيا قد يعود قريباً إلى الأسواق، لكن آخرين يعتقدون الاتفاقَ شكلياً وأنه يبرهن أكثر على حالة عدم الاستقرار في الوضع الليبي.
وتقول حليمة كروفت التي تقود فريق أبحاث بنك RBC الاستثماري الكندي: "بوجود أكثر من مليون برميل محتجز حالياً بسبب التحديات الأمنية والسياسية، تبقى ليبيا واحدةً من دول الأوبك المعدودة التي تستطيع نظرياً أن تضخ كميات هائلة من النفط في السوق هذا العام. لكن من المبكِّر جداً الحديث عن عودة كميات كبيرة من النفط الليبي إلى السوق على المدى القريب".
اللافت أن كروفت حددت سببين لاستبعاد احتمال ضخ النفط الليبي في الأسواق قريباً، وكلاهما يتقاطعان مع تحليل فوردهام:
1- أن الحكومة الجديدة التي تدعمها الأمم المتحدة لا تعقد اجتماعاتها في ليبيا، بل في فندق تونسي.
2- أن داعش حريصةٌ على تدمير البنية التحتية لقطاع الطاقة في ليبيا.
ولدى الجمع بين تحليليّ فوردهام وكروفت، يمكن التوصل إلى نتيجةٍ مفادها أن ليبيا تشكِّل تحدياً جيوسياسياً هائلاً بالنسبة لأوروبا مستقبلاً، سواءٌ من حيث النفط أو الأمن أو حتى الإيديولوجيا السياسية.