"إننا نعتبر أنفسنا في ماليزيا كأسلافنا المسلمين إبّان العصر الذهبي، لدينا رؤية ومنهج أصيل ينسجم مع روح
وجوهر الإسلام؛ لذلك كان لابد أن نبدأ أولًا بتحقيق النمو من خلال تطبيق مبدأ المساواة بين جميع الفئات والعمل على زيادة الناتج المحلي، وهو ما قُوبلَ برفض الغرب لنا كونه -أي الغرب- لديه إيمانٌ راسخ بأن البقاء فقط للأقوى وأن الثراء من نصيب الأغنياء على حساب الفقراء"
تلك كانت إحدى أبرز العبارات التي أطلقها رئيس الوزراء الماليزي الأسبق مهاتير محمد أو كما يطلقون عليه لقب "صانع النهضة الماليزية"..
تقع ماليزيا، البالغ عدد سكانها حوالي 30 مليون نسمة، في جنوب شرق آسيا، وتنقسم إلى إقليمين يفصل بحر الصين الجنوبي بينهما، الإقليم الأول هو شبه جزيرة ماليزيا ويقع غرب ماليزيا، بينما الإقليم الثاني هو سرواك وصباح ويقع شرق ماليزيا. تتكون ماليزيا من ثلاثةِ أعراقٍ رئيسية هم الملايو (مسلمون) ويمثلون أغلب السكان بنسبة 57%، ويليهم الصينيون ويمثلون حوالي 27%، ثم الهنود بنسبة أقل تمثل 7%، إضافة إلى أعراقٍ أخرى..
بدأت أولى معالمُ المجد الماليزيّ تتّضح بقيادة الشاب الطموح والطبيب الماهر مهاتير محمد، عندما تسلم زمام المبادرة ليرأس حكومة بلاده مطلع العام 1981. كان الاهتمام بالسياسة التنموية في البلاد بمثابة الجوهر الأساسي لمهاتير الذي قاد البلاد في فترةٍ ذهبيةٍ وقياسيةٍ استمرت حتى 22 عاماً. حيث كان تركيزه ينصب على بناء الإنسان من أجل تحقيق تنميةٍ بشريةٍ متكاملةِ الأبعاد، وتعميق الوعي والحرص الداخليّين لدى كل فردٍ في أهمية تطوير الدولة، وهو ما انعكس إيجاباً على الأفراد لأن ذلك سيُولّدُ لديهم شعوراً بأنهم عناصر حقيقية وفاعلة في البناء والتنمية. إذاً، كانت الرؤية مبنيّة على "تأسيس مجتمعٍ قيميٍّ كامل، يكون المواطنون فيه على درجةٍ من التديّنِ القوي والقيمِ المعنويّةِ والمعاييرِ الأخلاقيةِ الرفيعة".
كان لاستفادة ماليزيا من التّجربة اليابانيّة أثرٌ كبيرٌ في تحقيق التنمية وزيادة النّاتج المحليّ للفرد. حيث ركّزت ماليزيا على سياسة التّصنيع للخروج من دائرة التخلّف، فمرّت بمراحلَ مختلفة انتهت بأن تكون ماليزيا دولةً مصدرةً للصّناعات التكنولوجيّة عالية الدّقة بعد أن كانت تصدّرُ المطّاط، وبفضل هذا التوجه ارتفعت صادرات ماليزيا من أقل من 5 مليارات دولار عام 1980 إلى 100 مليار دولار عام 2002.
تعتبر ماليزيا أحد النّمور الآسيويّة السّبعة التي خرجت من كبوة وطور الاستعمار لتنهض إلى مصافّ الدول المتقدّمة خلال عقدين من الزمن. تعيش الأعراق الماليزية الثلاثة -المالايو، والصينيون، والهنود- في جوٍ من الودّ والألفة والتعاون، حيث يعتلي الملايو المسلمون سدّة الحكم بينما يُمسك الصينيون والهنود بزمام القوة الاقتصادية في البلاد بعيداً عن المنافسة أو التّصارع على السّلطة أو القوّة، وهو السبب الأوّل الذي قاد ماليزيا إلى ما هي عليه اليوم.
حققت ماليزيا خلال العقود الأربعة الأخيرة قفزاتٍ هائلةٍ في التنميةِ البشريةِ والاقتصادية. حيث إنها من أوائل الدول الإسلامية الصناعية في مجال الصّادرات والواردات في حوض دول جنوب شرق آسيا، وتمكّنت من تأسيس وتطوير بنيتها التّحتية وتنويع مصادر دخلها المتمثلة في الصّناعة والنفط والسّياحة وغيرها. إضافةً إلى الاستفادة الكبيرة من الانفتاحِ على الخارج عبر القيام بعملياتِ اندماجٍ في أسواق العولمةِ مع الحفاظ على رﻛائز تنمية ودعم الاقتصاد الوطني والمنتج المحلي.
كما اعتمدت ماليزيا على تطوير وتنمية القدرات والمهارات البشريّة، وذلك من خلال تحسين جودة وأداء وأساليب التربية والتعليم وإنشاء المعاهد التربوية والمراكز العلمية البحثيّة ومؤسسات التدريب المهني، وتشجيع الطلبة المتميزين على الدّراسة في الخارج من خلال رحلات الابتعاث العلميّة. كما عملت الحكومة الماليزيّة على تعزيز مفاهيم الإبداعِ والابتكارِ بين المواطنين الماليزيين من خلال العمل على تبنّي أفكارهم ومشاريعهم وحمايتها، ويبدو ذلك واضحاً وجليًّا في المنحِ الماليةِ الهائلة التي تقدّمها الحكومة للجامعات من أجل تشجيع البحث العلمي والابتكار.
كما أوْلت الدّولة اهتماماً بالغاً بتطوير البنى والمرافق التحتيّة، وذلك بإنشاء شبكةٍ كبيرةٍ وضخمة من الطّرق السريعة والحديثة، وشبكات القطارات المتطورة. إضافةً إلى تطوير شبكة الاتصالات والمعلومات بما يضمن الكفاءة والجودة العاليتيْن..
كُل ما ذُكر سابقاً يوضّح بما لا يدعُ مجالاً للشك بأنّ عجلة التنمية الماليزيّة تدور سريعا، وذلك بفضل تضافر جهود أبناء الوطن الواحد على اختلاف توجّهاتهم وأفكارهم ومعتقداتهم ووجود القيادة الحكيمة والرشيدة التي تعمل بمبدأ "الكلُّ من أجلِ الوطن" وهو المبدأ -للأسف- الذي تفتقر إليه غالبية أنظمة وحكومات العالم.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.