وهيبة عقوبي امرأة تونسية في العقد الثالث من العمر وقعت ضحية تحرّش جنسي من قبل رئيسها في العمل، وتم طردها بشكل تعسفي من عملها بعد أن رفضت الرضوخ لنزواته، فما كان منها إلا أن خرجت عن صمتها ونظمت تحركاً احتجاجياً من أمام المؤسسة التي تعمل بها.
ونشرت عقوبي فيديو عبر مواقع التواصل الاجتماعي تشكو خلاله من الظلم الذي تعرضت له، كما تقدمت بشكوى رسمية للقضاء التونسي.
Posted by حملة انتي اقوى #لاللتحرش on Monday, December 21, 2015
وهيبة التي خرجت عن المألوف في المجتمع التونسي، وكسرت حاجز الصمت والخوف تحدثت لـ"عربي بوست" عن واقعة التحرش الجنسي الذي تعرضت له في إحدى المؤسسات الإعلامية التونسية في منتصف شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، قائلة: "ليس من السهل أن تعلن أنثى على الملأ في مجتمع ذكوري تعرّضها للتحرش الجنسي، لكني كنت مقتنعة تماماً بأن ما تعرضت له من إهانة لكرامتي وإساءة لشرفي داخل مؤسسة يفترض أنها تحترم موظفيها أمر لا يمكن السكوت عليه".
وأضافت: "كنت مؤمنة بأني على حق، وأنه لابد من وضع حد لتصرفات هذا المتحرش الذي استغل منصبه كرئيس تحرير لمؤسسة إعلامية ليبتز الموظفات ويُرضي نزواته وكبته الجنسي، فلم تسلم من مضايقاته وتصرفاته اللاأخلاقية فتيات أخريات وزميلات لي في العمل، لكنهن اخترن السكوت بسبب الخجل وخوفاً من فقدانهن الوظيفة".
وهيبة أكدت أن وضعها الاجتماعي كمطلقة ساهم في جعلها لقمة سائغة وفريسة سهلة لهذا الرجل المتزوج، الذي سوّلت له نفسه التحرش بها أكثر من مرة، بل والتمادي في الأمر عبر مصارحتها برغبته في إقامة علاقة غير شرعية معها والزواج بها عرفياً، على حد قولها.
هذه الشابة التي تحمل شهادة الأستاذية في الصحافة وعلوم الأخبار ولها خبرة في مجال الإعلام، هي الآن عاطلة عن العمل بعد حادثة التحرش التي تعرضت لها، ولاتزال تنتظر أن يقول القضاء التونسي كلمته في قضية التحرش الجنسي التي رفعتها بالتنسيق مع نقابة الصحفيين التونسية.
الخوف والتكتم ساهما في تفاقم الظاهرة
حفيظة شقير، ناشطة في مجال حقوق المرأة عضوة في جمعية "النساء الديمقراطيات"، أكدت أن "ظاهرة التحرش الجنسي بالنساء تتفاقم من سنة لأخرى، والجمعية تتلقى شكاوى من نساء وقعن ضحية التحرش الذي يعد شكلاً من أشكال العنف الجنسي ضد المرأة سواء في مقر العمل أو وسائل النقل أو حتى في النطاق العائلي القريب، غير أن أغلبهن يتكتمن ولا يتجهن للقضاء خوفاً من الفضيحة ونظرات المجتمع لهن كمتهمات لا كضحايا".
وتستدرك قائلة: "لاحظنا بعد الثورة أن هناك تطوراً في موقف النساء من مواجهة ظاهرة التحرش، حيث بدأت بعضهن في الخروج عن دائرة
الصمت والحديث عن تجاربهن مع التحرش، ومنهن من توجهن للقضاء وهو مؤشر في اعتقادي إيجابي".
متهمات ولسن ضحايا
لطفي عزوز، مدير مكتب منظمة العفو الدولية، في تصريح لـ"عربي بوست"، يؤكد أن غياب الدراسات حول ظاهرة التحرش الجنسي في تونس باستثناء دراسات عامة حول العنف الجسدي والجنسي المرأة قامت بها جهات حكومية، يعود أساساً لطابع السرية الذي يحيط بهذه الظاهرة، إذ تعمد أغلب ضحاياه إلى التكتم عن تعرضها للتحرش خوفاً من نظرة المجتمع لها واتهامها دائماً بأنها قد تتحمل جانباً من المسؤولية في تحرش الرجل بها.
ويقر عزوز بأن المجتمع التونسي الذي يغلب عليه الطابع الذكوري لا يتضامن بشكل عام مع ضحايا التحرش الجنسي من النساء، حتى الأسرة تعمد إلى إخفاء الأمر حفاظاً على شرف العائلة، كما أن المجتمع ينظر بشكل سلبي لضحايا التحرش ويعتبرهن متهمات لا ضحايا.
قانون يحمي من التحرش لكن
ويعرّف الفصل 226 ثالثاً من المجلة الجزائية في تونس مفهوم التحرش الجنسي بـ"الإمعان في مضايقة الغير بتكرار أفعال أو أقوال أو إشارات من شانها أن تنال من كرامته وأن تخدش حياءه، وذلك بغرض حمله على الاستجابة لرغباته أو رغبات غيره الجنسية أو ممارسة ضغوط عليه من شأنها إضعاف إرادته على التصدي لتلك الرغبات".
وبالرغم من وجود ترسانة قانونية تحمي المرأة التونسية من التحرش الجنسي، حيث "يعتبر التحرش الجنسي جريمة يعاقب عليها القانون بالسجن بعام أو بخطية قدرها ثلاثة آلاف دينار"، لاتزال هذه الظاهرة منتشرة في تونس في غياب إحصائيات رسمية دقيقة.
وكان تقرير صادر عن وزارة المرأة أظهر أن نحو 50% من النساء التونسيات تعرضن للعنف بكل أنواعه، الجسدي والجنسي، وأن امرأة من اثنتين تعرضت للعنف في تونس.