كان يوماً شتوياً قاتماً، ولكنه كان خالياً من الجليد، وكانت إضاءة ميدان "نيجني نوفغورود" المركزي خافتة، بالنسبة لـ"سفيتلانا" المُدرِّسة البالغة من العمر 47 عاماً، فيوم الاثنين هذا يحتوي على ذكرى خاصة؛ فقد سمعت الكلمات التي أغلقت أحلامها بالمستقبل كغطاء تابوت: "أنت مصابة بالإيدز، وأنا طبيبك لباقي حياتك"، هذا ما قاله لها الطبيب بنبرة باردة مثل الثلج.
سفيتلانا مشت خارج المركز الوقائي الإقليمي لمكافحة الإيدز، وكان أحد أصدقائها ينتظرها في سيارة، ولاحظ انطباع وجهها وعينيها الغارقتين. كانت سفيتلانا تبدأ حينها في الانسحاب بعمق إلى أزماتها، ومنذ ذلك اليوم رفضت أن تناقش حالتها الصحية، وتنكر أنه تم تشخيص إصابتها بمرض نقص المناعة المكتسبة "الإيدز".
وهي تقول لأصدقائها: "أنا بصحة جيدة، دعوني أعيش حياتي"، بحسب صحيفة "ديلي بيست" الأميركية.
ذاك المركز الذي أخاف سفيتلانا، كان المؤسسة الوحيدة بالدولة التي تعالج نقص المناعة البشرية، بينما المصابون بالإيدز في المدينة يبلغ عددهم 1.3 مليون شخص. ولم يتم تحديث أي بيانات على موقع المؤسسة الإلكتروني منذ 2011.
وتحت عنوان "نبذة عن المركز"، تظهر معلومات تقول إن هناك 8534 مصاباً بالإيدز في نيجي نوفجورود، ولكن هذا ليس صحيحاً، فالعام الماضي كان هناك أكثر من 14 ألف مصاب جديد، مع تزايد العدد بين النساء اللاتي يتعرضن للعدوى خلال ممارسة الجنس. وعلى مستوى روسيا ففي عام 2014 تم حصر 90 ألف إصابة جديدة، وهو أعلى معدل تزايد لإصابات فيرس نقص المناعة البشرية "الإيدز" في أوروبا.
حياتهم أصبحت جحيماً
المصابون بالإيدز، مثل سفيتلانا، مرعوبون من إجراء اختبار دم ويبحثون عن علاج مناسب لهم، وتحولت حياتهم إلى جحيم.
ولكن الخوف الأكبر من المادة 122 من قانون روسيا الجنائي، التي تقضي بأن الروس المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية أو الإيدز يمكن أن يلقوا عقوبة السجن 3 سنوات بتهمة تعمّد نقل العدوى إلى أشخاص آخرين، أي أن احتمال السجن أكبر من احتمال تلقي العلاج الطبي.
كما أن أكبر الصعوبات التي تواجه سفيتلانا وأمثالها أنه لا يمكن لمرضى الإيدز أن يُعالجوا في عيادات عادية، وإنما فقط بالمراكز المتخصصة التي عادة ما تكون كئيبة وبائسة كتلك التي زارتها سفيتلانا.
والآن عليها أن تواجه أزمة إجراء عملية جراحية صغيرة في عينها، فلن يوافق جراح في نيجني نوفغورود على إجرائها لها وهي مصابة بفيروس الإيدز.
عقاب الأطباء
المجتمع المدني في موسكو أكثر شجاعة. فالنشطاء المدنيون يدفعون الكرملين نحو تغيير الإطار التشريعي، لمعاقبة الأطباء الذين يرفضون علاج الأشخاص المصابين بالإيدز.
انطون كراسوفسكي، القيادي بمركز الإيدز في موسكو، قال لـ"ديلي بيست": "معظم الأطباء الروس يرعبون المرضى الذين يعانون من فيروس الإيدز. وفي كثير من الأحيان وبشكل واضح يقولون التشخيص وكأن حياتك ميؤوس منها. ومع ذلك فهناك رفض عنيد للاعتراف بحجم المشكلة".
ميدفيدف يعترف بالأزمة
"في العام الماضي كانت لدينا طفرة ثورية. فنحن أخيراً، وللمرة الأولى سمعنا عبارة (وباء الإيدز) من مسؤول رسمي كبير في الحكومة". هكذا يقول كراسوفيسكي، فخلال اجتماع للحكومة، مؤخراً، اعترف رئيس الوزراء الروسي دميتري ميدفيدف بأن هناك مشكلة متزايدة.
في الواقع لأنهم يخشون أن يكونوا منبوذين أذلاء، فالآلاف من الروس – وبخاصة مدمني المخدرات – يفضّلون ألا يعرفوا ما إذا كانوا مصابين بالإيدز أم لا، وبدلاً من أن يتلقوا العلاج، فهم يستمرون في نشر الوباء.
وعادةً لا تمد المراكز الإقليمية لعلاج فيروس الإيدز المرضى بالعلاج المناسب. في الوقت الذي يقر فيه ميدفيدف قائلاً: "تلك التهديدات ليست فقط موجّهة لحياة مرضى الإيدز، بل لحياة الأصحاء أيضاً".
وبحسب كراسوفيسكي فإن الإحصاء الرسمي يقول إن 986.657 روسياً مُصابون بالإيدز، ولكن الرواية غير الرسمية ترجّح أن أكثر من 1.5 مليون روسي مُصابون بالمرض.
10 آلاف إصابة سنوياً
وعلى مستوى الشارع، فالصراع المجتمعي ضد الإيدز لديه الفرصة لأن يصبح اتجاهاً عاماً، فصدى الأرقام المتداولة يعد تهديداً، فروسيا أفصحت رسمياً بأن لديها نحو 10 آلاف إصابة جديدة بفيروس الإيدز سنوياً، وعادة تكون الإصابات في الفئات العمرية بين 20 و50 عاماً.
وبنهاية عام 2015، أكدت الدائرة الاتحادية لمراقبة وحماية حقوق المستهلك أن روسيا تواجه وباء الإيدز بشكل متنامٍ، مع أعداد متزايدة من الإصابات في مدن مثل نيجي نوفغورود بوتيرة أسرع بمقدار 30% مما كانت عليه النسبة نفسها عام 2014. وحذرت وزارة الصحة الروسية من أنه بحلول عام 2020 يمكن للنسبة أن تقفز بنسبة 250%.
انتشار السرطان
السرطان أيضاً يعد مشكلة ضخمة، فروسيا والصين هما الأعلى في هذا الشأن، بنحو 122.5 نسبة إصابة بالسرطان بين كل 100 ألف شخص، وعام 2015 سيُذكر بأنه العام الذي حققت فيه روسيا تسليطاً للضوء على حالات الانتحار بين المصابين بالسرطان، بين الأشخاص الأكبر سناً الذين يقتلون أنفسهم بعد شهور من العناء المؤلم.