جولة في التراث السلفي
ذكرتُ في المقالات السابقة بعض النصوص التي تنضح قسوة في حق المخالف لدى تراث الإخوة من الشيعة الاثني عشرية، وسأقوم اليوم بنقل بعض النصوص من التراث السلفي مما ينضح عنفًا وقسوة على المخالف -مما لا يكاد يختلف فيه تراث الطائفتين مع الأسف – ولا يهمني من يقوم بالتكلف في تأويلها ولا في محاولة ردّها.
لأنها بقيت في تلك الكتب قرونًا دون نقد حقيقي جذري وشامل من داخل المدرسة ذاتها، بل إن تلك الروايات لا تزال حتى يوم الناس هذا يتلى بعضها في المساجد ودروس العلم وبفخر واعتزاز! ولئن قال من قال إنها ضعيفة، فلِمَ إذن يستشهد بها الفطاحلة من العلماء بلا نكير؟! وهم في أقصى حالاتهم يكتفون بالصمت عنها أو تمريرها كما جاءت.
هذا كتاب من الكتب المعتمدة لدى السلفيين هو كتاب السنة للبربهاري، أقتبس منه بعض النقولات القاسية العنيفة التي تنضح داعشية، والتي يجبن عن نقدها وردّها بعض من ينكر على داعش ليل نهار، ويصفهم بأشنع الصفات.
هذا.. وداعش -كما أسلفت- في سياق حروب ومعارك، لكن صاحبنا هذا المنكر على داعش يؤيد تلك النصوص في قتل المخالف بلا حروب ولا معارك، لا لشيء إلا لأنه مخالف.
موقف البربهاري من أهل القبلة
يقول البربهاري: " ولا نخرج أحدا من أهل القبلة من الإسلام حتى يرد آية من كتاب الله، أو يرد شيئا من آثار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو يذبح لغير الله، أو يصلي لغير الله، فإذا فعل شيئا من ذلك فقد وجب عليك أن تخرجه من الإسلام، وإذا لم يفعل شيئا من ذلك فهو مؤمن مسلم بالاسم لا بالحقيقة".
أي أن أهل القبلة إن فعلوا ما ذكره من أمثلة فهم حينها ليسوا من أهل القبلة، لكنهم إن لم يفعلوا شيئًا من تلك الأمور، فهم -مع مخالفتهم لأهل السنة- مؤمنون مسلمون في ظواهرهم بالاسم فقط! فيعاملون كمؤمنين مسلمين، أما حقائقهم فليست كذلك!
هذا صريح قوله "فهو مؤمن مسلم بالاسم لا بالحقيقة".
ثم ذكر أن جميع ما في كتابه من آراء إنما هو قول الله وقول رسوله، فمن ردّ شيئًا من كتابه -وهو في كثير من مسائله فهم لكتاب الله وما قبله هو بشروطه من الحديث- فقد ردّ الكتاب والسنّة -وهذا هو وهم مطابقة فهمه البشري لما في الكتاب والسنة مما اختلف فيه أهل القبلة- فقال: "وجميع ما وصفت لك في هذا الكتاب، فهو عن الله، وعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعن أصحابه وعن التابعين، والقرن الثالث إلى القرن الرابع، فاتق الله يا عبد الله، وعليك بالتصديق والتسليم والتفويض والرضى لما في هذا الكتاب، ولا تكتم هذا الكتاب أحدا من أهل القبلة.
فعسى يرد الله به حيرانا عن حيرته، أو صاحب بدعة عن بدعته، أو ضالا عن ضلالته، فينجو به.. فاتق الله، وعليك بالأمر الأول العتيق، وهو ما وصفت لك في هذا الكتاب، فرحم الله عبدا -ورحم والديه- قرأ هذا الكتاب، وبثه وعمل به ودعا إليه، واحتج به، فإنه دين الله ودين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإنه من انتحل شيئا خلاف ما في هذا الكتاب، فإنه ليس يدين لله بدين، وقد رده كله، كما لو أن عبدا آمن بجميع ما قال الله تبارك وتعالى، إلا أنه شك في حرف فقد رد جميع ما قال الله تعالى، وهو كافر!
أي أن من خالف كتاب البربهاري في شيء من هذا الكتاب فقد رد الدين كله، وخالف الله نفسه، جل في علاه!
وقد ذكر البربهاري في هذا الكتاب مسائل فقهية فرعية يسوغ فيها الخلاف! وذكر مسائل من فروع العقيدة يسوغ فيها الخلاف، فمن ذلك مثلاً قوله إن أرواح الكفار والفجار في (برهوت)، إنه قد ورد في القرآن أن الكفار والفجار في سجين، فماذا على من لا يؤمن ببرهوت هذا؟!
وكذا ذكر البربهاري أن التكبير على الجنائز أربع، ولكن من الطوائف من يرى أن التكبير على الجنائز خمس لا أربع، وهي مسألة فقهية! فهل من اعتقد أنها خمس يكون قد رد الدين كله؟
وكذا ذكر أن مع كل قطرة من المطر ملَك ينزل بها حيث يريد الله عز وجل، وذكر أن القرآن أحوج إلى السنّة من السنّة إلى القرآن، فجعل القرآن المتواتر محتاجًا للسنة التي فيها المتواتر وفيها الآحاد الظني.
ويرى أن النبي عرج به إلى السماء حقيقة، ورأى ما رآه يقظة، على الرغم من أن ابن تيمية ذكر عن بعض الصحابة -وهو معاوية وغيره- أنهم يرون المعراج رؤيا منام، وذكر أن أوّل من يرى الله يوم القيامة من المؤمنين الأضرّاء (أي المكفوفون).
وذكر البربهاري أن الميّت يعرف من يزوره بعد موته، إلى أشياء أخرى يسوغ فيها الخلاف وهي ليست من أصول الدين التي هي أصول الدين، التي لا يسع المسلم إلا التسليم بها.
فهل من أنكر شيئًا من تلك الأمور يكون قد ردّ الدين كله كما يقول البربهاري من حيث كونه مما جاء في كتابه هذا؟
ثم نقل نقولاً عن السلف لا هي كتاب ولا هي سنّة في مجالسة من سمّاهم أهل البدع، أنقلها كما جاءت، نقل البربهاري:
"وقال سفيان الثوري: من أصغى بأذنه إلى صاحب بدعة، خرج من عصمة الله، ووكل إليها (يعني إلى البدع).
وقال داود بن أبي هند: أوحى الله تبارك وتعالى إلى موسى بن عمران: لا تجالس أهل البدع، فإن جالستهم، فحاك في صدرك شيء مما يقولون، أكببتك في نار جهنم.
وقال الفضيل بن عياض: من جالس صاحب بدعة لم يعط الحكمة.
وقال الفضيل بن عياض: لا تجلس مع صاحب بدعة، فإني أخاف أن تنزل عليك اللعنة.
وقال الفضيل بن عياض: من أحب صاحب بدعة، أحبط الله عمله، وأخرج نور الإسلام من قلبه.
وقال الفضيل بن عياض: من جلس مع صاحب بدعة، أورثه العمى.
وقال الفضيل بن عياض: إذا رأيت صاحب بدعة في طريق فجز في طريق غيره.
وقال الفضيل بن عياض: من عظم صاحب بدعة، فقد أعان على هدم الإسلام، ومن تبسم في وجه مبتدع فقد استخف بما أنزل الله -عز وجل- على محمد -صلى الله عليه وسلم- ومن زوج كريمته مبتدع فقد قطع رحمها، ومن تبع جنازة مبتدع لم يزل في سخط الله حتى يرجع.
وقال الفضيل بن عياض: آكل مع يهودي ونصراني، ولا آكل مع مبتدع، وأحب أن يكون بيني وبين صاحب بدعة حصن من حديد.
وقال الفضيل بن عياض: إذا علم الله عز وجل من الرجل أنه مبغض لصاحب بدعة غفر له، وإن قل عمله.
ولا يكن صاحب سنة يمالئ صاحب بدعة إلا نفاقا.
ومن أعرض بوجهه عن صاحب بدعة ملأ الله قلبه إيمانا، ومن انتهر صاحب بدعة آمنه الله يوم الفزع الأكبر، ومن أهان صاحب بدعة رفعه الله في الجنة مائة درجة".
هذا، ولنا في مقالة قادمة جولة أخرى، مع كتاب معتمد من كتب التراث السلفي، فإلى لقاء.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.