إن كنت مقيماً في اليمن أو زائراً له فإنك حتماً ستسمع كثيراً من يقول لك: "هات حق القات", فما هو هذا القات وما هو حقه؟
باختصار لمن لا يعرف القات هو عبارة عن نبتة تصنف من ضمن النباتات المنشطة طبيعياً, يقول المؤرخون إنها وصلت الى اليمن من إفريقيا قبل أربعة قرون، وقد انتشرت قديماً عادة مضغ أو تخزين القات بشكل واسع في شمال اليمن، ولا يوجد قانون يمنع انتشاره أو تعاطيه, بينما في الجنوب كان انتشاره محدوداً على مستوى ضيق بسبب المستعمر البريطاني سابقاً الذي وضع له قوانين تنظم بيعه وانتشاره.
يُسمّى مَنْ يمضغ ويخزن القات في فمه "مُخزِن" (بضم الميم وكسر الزاي)؛ لذلك تسمى هذه العملية "تخزين"، وجلسات القات الشعبية "تخزينة", يشعر المُخزن خلال هذه الجلسة بالنشوة والنشاط العقلي والجسماني وزيادة في التركيز والرغبة في الحديث طويلاً وحالة من المرح, وبعد انتهاء هذه الجلسة التي تستمر ساعات ينقلب ذلك النشاط الى خمول وقلق وتوتر وقلة في الشهية وضعف جنسي وأرق, ولذلك يفضل عدم التحدث مع الشخص المخُزن بعد جلسة القات تجنباً لحدوث مشاكل.
ويمكن تفسير عملية التخزين بأنها هروب من الواقع أحياناً، وأحياناً أخرى هي فرصة للتركيز في العمل, ومع مرور الوقت يتحول الى إدمان شبه يومي لا يستغني عنه المُخزن طالما اعتاد هذا الوضع.
تشير الدراسات الاقتصادية إلى أن حوالي 60% من اليمنيين يمضغون القات، وهؤلاء ينفقون 40% من ميزانيتهم الخاصة في شراء القات، وهذا بحد ذاته يعتبر استنزافاً اقتصادياً لميزانية الفرد أو الأسرة اليمنية, وانتشار الفقر، وهذا ما ينعكس سلباً على المستوى الصحي والتعليمي للأبناء, وإلى جانب ذلك استنزاف الوقت الذي لا يقوم فيه المخُزن بإنتاج أي عمل يذكر، وهذا يعكس ثقافة عدم احترام الوقت, ناهيك عن الأمراض الكثيرة التي يسببها القات من بينها أمراض القلب والسكري وغيرها.
القات أيضاً أحد الأسباب الرئيسية للمشكلة التي يعاني منها اليمن حالياً وهي نضوب المياه الجوفية, فزراعة القات تتطلب الكثير من الماء، وهو ليس كبقية المزروعات ينمو موسمياً في فترة معينة من السنة بل ينمو في كل الفصول وبسرعة ملحوظة؛ ونظراً للدخل الكبير الذي يجنيه المزارع من خلال زراعة وبيع القات صار يفضل زراعته عن زراعة الفواكه والخضراوات والبن الذي اشتهرت به اليمن عقود عدة بجودته.
والكارثة الكبرى هي استخدام المزارعين المبيدات الحشرية على أشجار القات بشكل عشوائي وجنوني دون أي دراية أحياناً بطرق رشها على الأشجار ودون رقابة من الجهات المختصة وبالتالي تصل نبتة القات للمستهلك ويخزنها في فمه وهي مثخنة بتلك المبيدات, ولعل هذا ما يفسر ازدياد أمراض السرطان لدى مخزني القات.
ومن الجدير بالذكر أن القات يصنف على أنه نوع من أنواع المخدرات، وقد أدرجته منظمة الصحة العالمية عام 1973 ضمن المواد المخدرة ويحرم بيعه وتداوله في بعض الدول، وربما يعد ذلك جُرم كبير تصل عقوبته الى الإعدام مثل سوريا, بينما يسمح ببيعه وتخزينه في دول عديدة مثل بريطانيا, وكم كانت تلك الخطوة شجاعة التي اتخذتها حكومة اليمن الجنوبي قبل الوحدة اليمنية في ثمانينيات القرن الماضي عندما أصدرت قراراً يمنع بيع وتعاطي القات في المدن الرئيسية في أيام الدوام الرسمي، وأن من يرغب عليه أن يفعل ذلك خارج المدينة التي يقيم فيها, هذه الخطوة أسهمت بفاعلية في التخفيف من إدمانه والمساهمة في الحفاظ على ميزانية الأسرة اليمنية معظم أيام الأسبوع.
مدمن القات لا يستطيع التخلي عنه بسهولة، وبالتالي تجده يبحث دوماً عن موارد لتوفيره بطريقة شرعية أو بغيرها، وهي ما تسمى "حق القات"، ويقصد بها المبلغ الذي يُشترى به القات.
"حق القات" أصبح كالسرطان المستشري في الجسد المريض, فمن النادر أن تكمل أي معاملة في مرافق ودواوين الدولة أو في غيرها دون أن تدفع "حق القات" لتيسير معاملاتك, أو هو اللقب الذي استبدل مكان كلمة الرشوة كون الكلمة الأخيرة هذه أكثر إيلاماً وإحراجاً من كلمة "حق القات" التي أصبحت هي سمة الفساد الأولى في البلاد, وهي المسبب الرئيس لدخول اليمن قائمة الدول الأكثر فساداً على مستوى العالم بحسب تصنيف منظمة الشفافية الدولية.
ليس هذا وحسب بل إن "حق القات" هو من يسعى له العامل الكادح طوال يومه، ولن أبالغ إن قلت إن بعض العاملين يضع له أولوية قبل الغذاء, فلو توافر "حق القات" كان يومه سعيداً بهيجاً وتجده يعمل وهو شغوف لتلك الساعات الطوال التي سيضيعها وهو يمضغ أو "يُخزِن" القات, ولا يبالي بنوعية الأكل والغذاء اليومي لصحته.
مشكلة القات في اليمن عواقبها كبيرة وتتفاقم يوماً عن آخر، والحديث عنها قد يطول واجتثاثها يتطلب جهوداً جادة وحازمة من أجل النهوض بالبلاد ووضع الخطط لتوفير مجالات تعود بالنفع على المواطنين وتزيد من إنتاجيتهم وتعمل على تحسين ونمو الناتج القومي وتنمية المستوى الاقتصادي للدولة، وهذا لن يتم إلا بتكاتف الهيئات والمنظمات وكافة شرائح المجتمع.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.