في حديث لعمر بن الخطاب (رضي الله عنه) يقول فيه: "لو كان الفقر رجلاً لقتلته"، وفي حديث آخر له: "لو عثرت بغلة في العراق لسألني الله تعالى عنها لِمَ لمْ تمهّد لها الطريق يا عمر".
أحببت أن أستعين بهاتين المقولتين في بداية حديثي حتى تصل فكرتي للقاصي والداني.
في الوقت الذي نفكر فيه نحن عن وجبة الغذاء الدسمة، أو ساعة الشاي، أو الفطور الصباحي، فإن هناك أطفالاً وشيوخاً ورجالاً أُعلن عليهم الحصار، فلا لقمة تدخل أفواههم إلا ملحاً وماء، إن توافر. هؤلاء الناس يبحثون عن لقمة الخبز فيجدون فقط حشائش الأرض فيأكلونها، وبعضهم قد يفترس الحيوانات لشدة الجوع.
أنا لا أتحدث عن فيلم خيال علمي، أو قصة غير واقعية تدور أحداثها في الغابة، لكني أتحدث عن مضايا، مضايا التي صمدت أياماً تحت الحصار، مضايا التي يُباع فيها كيلو الأرز بـ٢٠٠ دولار كثمن تعجيزي حتى يموت أهل البلد رويداً رويداً من الجوع والبرد.
وفي طرف آخر من العالم، ليس بعيداً عن مضايا يقوم بعض مؤيدي النظام بنشر صور الأكل والشرب على مواقع التواصل الاجتماعي تحت هاشتاغ #متضامن_مع_حصار_مضايا بطريقة جد سخيفة وباستهزاء.
وهناك نوع آخر من الناس يأكل ويشرب وينشر الصور على مواقع التواصل الاجتماعي من دون سوء نية طبعاً، لكن هذه الحركة أصبحت غير طبيعية بعد ما سمعنا عن مضايا. يقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في حديث له رواه ابن أبي شيبة والبزار، ما معناه، "ما آمن به من بات شبعاناً وجاره جائع إلى جنبه"، وفي حديث آخر: "ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع إلى جنبه".
وهذا دليل إلى حد ما على أنه من العيب، ومن عدم الإيمان، أن يشم جارك رائحة طعامك ولا تتقاسمه معه. أما في عالمنا (عالم الديجيتال)، الذي تعرف فيه أخبار الناس في كل مكان وفي أي زمان، فإن موضوع الجوار أصبح معقداً وأثقل مما كان قبل.
الآن موضوع الجوار يتخطى المسافات والزمان، فالسوري هو جار المصري، والمصري جار المغربي، والمغربي جار الفلسطيني.. إلخ. وبالتالي فإن صور الأكل التي نضعها على السوشيال ميديا قد تضر جارك العربي المسلم معنوياً أكثر مما يمكن أن تتوقع، فلا يظل أي فارق بينك وبين أصحاب حملة #متضامن_مع_الحصار.
النوع الثالث من الناس، هو الذي يشتري الأكل بطريقة جشعة، فيأكل شيئاً منه ويرمي كله في النفايات. وإن كنت من هذا النوع من الناس، عندما ترى الأكل تشتري أكثر مما يستوعبه بطنك، فمن الإحسان أن تحفظ ثمن الأكل الذي رميته في جيبك وتشتري به طعاماً لجارك الجائع حتى تتعود على شراء كمية الأكل المناسبة لعينك ولبطنك.
وأحب أن أختم كلامي بلافتة وجدتها على أحد المواقع مكتوباً عليها: "نرى إنسانية العالم مع القطط والكلاب ولا يرون أنها أصبحت الطعام الوحيد للسوريين، مضايا تختنق جوعاً". ولنعلن يوم الخميس يوم صوم جماعي تضامناً مع الجيران السوريين.