أنت تعيش في إحدى الدول المتحفظة، تجلس في إحدى المحاضرات عن علوم الأحياء في الجامعة.. تفتح كتابك ويلمح طرف عينك كلمة أثارت اهتمامك في الفهرس.. تقلب الصفحات مصرا على أن تشبع فضولك. ترى صوراً متراكمة لإنسان ووراءه تسير أشباه قرود.. أنت لا تعلم ما المفترض أن تعنيه تلك الصور، فتسأل معلمك.
ولكن تأخذك على غفلة إجابته المندفعة: "هذا كلام زنديق يا طالبي، حذف من منهجنا لسخفه، فهل فعلا تعتقد أن أجدادنا كانت قروداً؟".
تعد نظرية التطور من أحد المواضيع المثيرة للجدل داخل إطار علوم الكائنات الحية في يومنا الحالي. ومع الأسف حصل تشويه -متعمد وغير متعمد- لمبادئ نظرية التطور من قبل بعض الشخصيات التأثيرية في مجتمعاتنا الإسلامية خصوصاً والعربية عموماً.
مما أدت إلى توسع مفهومات خاطئة بين عامة الناس. لكي نستوعب مصدر المغالط المنطقية بالنسبة إلى النظرية الداروينية الشهيرة، يجب أولاً أن نتوغل في أصلها وسبب ظهورها.
نظرية تطور الكائنات الحية اقترحها العالم البريطاني تشارلز داروين في كتابه "أصل الأنواع" بعد زيارته لجزر الغالاباغوس. أثناء رحلته.. لاحظ داروين اختلافات في أشكال مناقير الطيور الغالاباغوسية التي تبدو متشابهة ولكنها من أنواع مختلفة ولاحقا نسب هذه الاختلافات للأنواع المختلفة للطعام الذي تأكلها الطيور. هذه الاختلافات هي نتيجة ما يسمى بالانتقاء الطبيعي الذي مهد الطريق لنظرية التطور والتي شرحها في كتابه. وفي نهاية المطاف، أكد داروين أن جميع الكائنات الحية إلى حد ما هي نتيجة للانتقاء (الطبيعي أو الاصطناعي في بعض الأحيان) وأننا نحن مختلفون نتيجة تطور الكائنات الحية البدائية وفي هذه المقالة سنوضح سوء المفاهيم المنتشرة حولها.
أولاً: الإنسان أتى من القردة وأصله من القرود المعاصرة حسب النظرية..
أكثر الأخطاء الشائعة هي الاعتقاد بأن النظرية تطرح فكرة أن أصل الإنسان قرد. الإنسان تربطه علاقة سلف مشترك مع القردة. القرود المعاصرة يمكن القول عنها إنها "أولاد عمنا" وليس بأجدادنا. والإنسان المعاصر يختلف عن أجداده (الشكل الخارجي، الطول..الخ) ويشبهم في نواح أخرى (التصرفات مثل بناء الملاجئ، الصيد..إلخ) بالنسبة للنظرية
ثانياً: لمجرد أنها تسمى بنظرية وليست بقانون ذلك يقلل من شرعيتها
يستند الكثير من الأشخاص بأن التطور ليس بحقيقة لأنه "نظرية" وليس بـ"قانون" عندما يفسرون سبب رفضهم مبدأ التطور. ولكن في حقيقة الأمر، النظرية في مجال العلوم كلمة للتعبيرعن إمكانية حدوث شيء. بينما القانون هو وصف لحدوث شيء.
يولد القانون العلمي جراء سؤال: "ماذا يحدث؟" على خلاف النظرية التي تأتي بعد السؤال: "كيف يحدث هذا؟" وليس من الممكن أن يتحول القانون إلى نظرية ولا العكس لأن كليهما يتعاملان مع مبدأين مختلفين من الأساس.
ثالثاً: لا يمكن لنظرية التطور أن تكون حقيقة علمية لأننا لا نستطيع رؤيتها تعمل تحت أعيننا أو خلال عمر الإنسان الواحد لا يمكن لمخلوق واحد أن يتطور خلال إطار حياته، التطور يحدث على مدى ملايين السنين ويعتمد على سرعة التغيرات المناخية والطبيعية التي تحيط به.
هناك تغيرات خلال حياة الكائن ولكن هذه طبيعية مبرمجة من قبل الجينات لا تسمى بتغيرات تطورية. بعض النقاد يطلبون أدلة يمكن رؤيتها حينما يناقشون النظرية ويرفضون الاعتراف بالأدلة التي في الأحافير التي تكونت منذ آلاف السنين ولكن إذا سنأخذ بعين الاعتبار نفس المنطق المحدود البصيرة، فسيتوجب علينا إلقاء علم الأحافير والجيولوجيا في سلة المهملات بجانب الانفجار العظيم لأننا ببساطة "لم نستطع أن نولدها في مختبر لنختبرها ونراها".
رابعاً: التطور لنوع جديد من الكائنات ليس جائزاً نسبة للنظريةهنالك الكثير من الأدلة التي يجادل بها مناصروالنظرية من منطلق تغير الأنواع وأبرزها التشابهات الهيكلية في أذرع الكائنات والتركيبات في الحمض النووي والبروتينات التي تصنع في الخلايا.
ويؤمن الكثير من المطلعين على النظرية من عامة الناس بالتطورات الصغرى (microevolution) ولكن ليس بالكبرى (macroevolution) ولكن الواقع هو أن سلسلة من التطورات الصغرى عبر ملايين من السنين قد تعني تغييرات كبرى بالمقارنة بالأصل الأول..
وللتغيرات هذه حدود أيضاً، فمن الممكن أن يتكيف الثدييُّ ليعيش بطريقة متشابهة للسمك كما هو الحال مع الحيتان والدلافين التي ليس لديها خياشيم ولكن تعتبر من الثدييات البحرية ولم تُطَوَّر لتحوذ على خياشيم لأسباب دقيقة لها علاقة بالحجم والأيض.
الأدلة على التطورات الكبرى عديدة، ومن أبرزها هي الأحافير الانتقالية، إحدى هذه الأحافير توضح تطور فصيلة باكيسيتوس (pakicetus) إلى الحيتان عبر سلسلة من التغيرات التي تشمل فصائل أخرى مثل الأتيوسيتوس (aetiocetus) التي توجد دلائل على قرابتها من كلا النوعين.
وأخيراً: نظرية التطور تتعامل مع أصل الحياة على الأرض هذا مفهوم خاطئ، والسبب أن النظرية تهتم بإمكانية تطور المخلوقات الحية الأولى بغض النظر عن أصلها الكوني لأنها إن كانت كذلك لما سمى داروين كتابه بأصل الأنواع بدل أصل الحياة. ولهذا علاقة بتسميتها نظرية في المقام الأول..
*هذه المقالة ليست مناصرة للنظرية ولا تنتقد الدين بأي طريقة ولا تناقش أصل الحياة، بل مجرد توضيح لأخطاء شائعة حولها. هذه مجرد حقائق عن النظرية لا تتطلب الموافقة عليها من قبل القارئ.. هذه المقالة توضح سوء المفاهيم المنتشرة حول النظرية مع العلم أنه ليس واجبا عليك، عزيزي القارئ، أن توافق مع النظرية وتعاملها على أنها حقيقة مطلقة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.