المعروف أن هامش الحرية والتعبير عن الرأي الذي تتيحه شبكات التواصل الاجتماعي يجعلنا نُقر إلى حد بعيد أنها أرضية أكثر ديمقراطية من الديمقراطية نفسها، حيث تقبل الجميع فوقها دون تمييز، ما يتيح لمجموعة من الأشخاص استغلال الفرصة لممارسة أنشطتهم الاحتيالية التي بالمناسبة قد لا يُجنون من ورائها دائما أي أرباح مالية تذكر، فقط من باب تحقيق لذة الانتشاء والارتياح النفسي والتباهي الاجتماعي، يدفعنا الأمر في كثير من الأحيان إلى الحديث عنهم قصد الاستفادة وأخذ الدروس والعبر.
يبقى الفيسبوك مثلا، بالنسبة لهؤلاء المجال الافتراضي الذي يسهلُ فيه الظهور بأي وجه يريدون تسويقه، وبالشكل الذي يحبون والطريقة الأنسب للفت الأنظار إليهم، في كل مرة حسب طبيعة السياق والظرفية، ليتقمصوا شخصيات متعددة ويشيرون إلى مجموعة من المراكز الاجتماعية ينتمون إليها ومهن يدّعون مزاولتها تتنوع بين مسيري مقاولات ونشطاء حقوقيين واجتماعيين وسياسيين وجمعويين وثقافيين وفاعلين في المجال البيئي والتنموي.. وكذلك يشرفون على مجموعة من المهرجانات المصنفة وغير المصنفة وصحافيين وإعلاميين ومؤسسين لمجموعة من الجمعيات التي تجدهم رؤساء لها في نفس الآن..
والأخطر من ذلك أنهم يدَّعون حصولهم على شواهد الدكتوراه كدرجة علمية والتي يلزمك رصيد علمي وثقافي كبير للحصول عليها وليس فقط لسان يتقن فن "التّسنّطيح" وعلى دبلومات "الماستر" في التسويق والتواصل والهندسة المدنية والتخطيط الجيوستراتيجي والقرب الأورومتوسطي وغيرها من التخصصات، في حين أن أغلبهم لم يتجاوز مستواه الدراسي الباكالوريا.
يدّعون أن لديهم مجموعة من التكوينات في دول أجنبية كالولايات المتحدة الأميركية وألمانيا وإنجلترا، والغريب في الأمر أنه لم يسبق لهم أن نشروا في رواق صورهم "سيلفيات" كتوثيق زياراتهم لبلاد العم سام، وبلاد المرسيدس وعاصمة الضباب قرب أحد معالمها التاريخية، كما اعتادوا ككل مرة على استغلال فرصة التقاط الصور أينما حلوا وارتحلوا داخل بعض المدن المغربية بالقرب من نافوراتها وأسوار مدنها القديمة، ومقاهي "الفرونشيز" المصنفة بداخل أحيائها الراقية، حطموا أرقاما قياسية في عدد خِطباتهم الافتراضية، اللّهم زد وبارك.
يتحدثون كثيرا عن جديد مشاريعهم الافتراضية الوهمية، وفي كل مرة نفاجأ بـمنشورات على صفحاتهم تكشف لنا عن قرب انطلاق مشاريعهم التي ستغير العالم عبر المغرب.. فننتظر نحن بدورنا أياماً وشهوراً ونتشوق لولادة تلك المشاريع وخروجها إلى الوجود، لتأتي منشورات أخرى يعلنون من خلالها عن تعرضهم لعين الحسود و"التّابعة" التي أصابتهم، وعن المكائد والمؤامرات التي تُدبر في حقهم بهدف نسف أحلامهم الزرقاء الافتراضية، فيختمون كلامهم بالمقولة الشهيرة "القافلة تسير والكلاب تنبح" عن أي قافلة وأي كلاب يتحدثون.. فنضطر الدعاء لهم بالشفاء من الداء، هو نفسي بلا شك.
يستغلون كناش الوجوه الفيسبوك كي يكتبوا عن أي شيء يحلمون به في الواقع ولم يستطيعوا تحقيقه، بكل بساطة لأنهم منشغلون دائما في التقليل من أهمية أحلام الآخرين، أولئك الذين ينجزون على أرض الواقع أكثر ما يتحدثون والتي تأخذ طريقها إلى الواقع، يستعملون أسلوب الضرب في أعراض الناس ولم يستثمروا كل ذلك الوقت والجهد لمعرفة طريق النجاح التي سلكها الآخرون، وماذا فعلوا لتحقيق أحلامهم، احذروهم هم بيننا باقون ويتمددون!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.