هل نحن شعب ينسى سريعا كل آلامه وآماله؟
قابلتُ أمًّا مكلومة على ابنها والذي فقدناه في أحداث الثورة الأولى 25 يناير/كانون الثاني..
كم كانت كلماتها موجعة للقلب..
ما زالت الأم لديها أمل أن تتحقق كل مطالب الثورة حتى يهدأ قلبها ولتذهب إلى قبر ابنها لتهمس له.. آن الأوان أن ترتاح في مرقدك..
فقد اقتصوا من قتلاك واقتلعوا الفساد من جذوره. وجلادوك في السجون يعانون الوحدة والألم..
ستكون سعيدا عندما ترى الفرحة في الوجوه. أصبح للمواطن كرامة في بلده، وينعم بالحرية والحياة الكريمة..
كم كنت أتمنى أن تكون بيننا الآن لترى أحلامك تتحقق. نحن مدينون لكم بكل الفخر الذي نحياه. لولاكم لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه.
جلست الأم تسرح بأفكارها وتجلس صامتة شاردة وكأنها تكلم ابنها لتحكي له ما يتمنى أن يسمعه وأكملت حلمها وأملها وقالت:
لقد قابلت صديقك أحمد الذي كان معك في الميدان. لقد أصبح محافظا. ولقد قابلته وهو يكرم أمهات الشهداء.. لم يتمالك دموعه عندما رآني وقد احتضني وهو يبكي بشدة ما زال يتذكرك. حتى أنه قال أمام الحشد الهائل من الحاضرين. هذه أمي التي لم تلدني ووالدة صديقي ورفيقي بالميدان. حكي كثيرا من مواقفكما معا وكيف كنت جادا دائما ومليء بالأمل وتحفز زملاءك على استكمال الثورة. وضروة الحفاظ على وحدة كل الكتل السياسية في ائتلاف واحد يعبر عنهم وعن طموحاتهم مع من يقودون البلاد مؤقتا. وأن تنحوُّا اليأس جانبا حتى تتوحد صفوف الشعب وراءكم لا تتناحروا حتى لا تنقسموا وتتفتت وحدتكم ولتحققوا مطالبكم المشروعة كاملة.
ابني الحبيب.. لقد مر على رحيلك خمس سنوات وما زلت أُكرَّم فأنا والدة الشهيد البطل.. فقد أعطتني الحكومة معاشا يكفيني والحمد لله كما وفرت لي الرعاية الصحية وكل طلباتنا تُلبى فورا وقت أن نطلب أو نريد تكون الاستجابة سريعة لكل أمهات وآباء الشهداء.. فلا تقلقْ عليَّ. ولكني أفتقدك ما زلت أتمنى أن تعود إلى الحياة لترى مصر بعد كل تلك السنوات كيف أصبحت..
اليوم يحكمنا رئيس مدني لا يحكم سوى مدتين. وأصبح لدينا دستور يلبي كل آمال وطموحات المصريين. ومجلس برلماني يشرِّع ويراقب الحكومة وقرارات الرئيس.
بالأمس وقف نائب دائرتنا وأصغر نائب في البرلمان والذي كان زميلك في الجامعة محمد.. يرفض برنامج الحكومة ويجمع التوقيعات لإسقاطها لأنها لم تلبِّ مطالب الشعب وقد تحقق له ما أراد. وتم تشكيل حكومة جديدة.
لم تعد لأحد حصانة مطلقة.. ونتعامل مع الوزير كأي موظف عمومي. حتى أحمد صديقك المحافظ لمحافظتنا كان قد نجح في انتخابات اختيار المحافظ. وكل شيء في مصر أصبح بالانتخاب..
كما أخبرك أن قريتنا الصغيرة تم رصف طريقها الترابي، وأصبحت المياه النظيفة متاحة طوال اليوم، كما تم عمل شبكة صرف صحي والكهرباء كذلك لم تعد تنقطع أبدا. وقريبا سيتم الانتهاء من افتتاح المكتبة العامة الخاصة للقرية وستكون ملحقة بمركز شباب القرية. لقد أصبحت قرية نموذجية كما كنت تحلم دائما.
واخوك خالد دخل كلية الشرطة بدون أي محسوبية بعد أن نجح في كل الاختبارات.
والشرطة لم تعد كما كانت أصبحت لخدمة الشعب لا سيدا على الشعب..
فاكر المستشفي العام في المركز.. لو شفتها الآن مش هتصدق، أصبحت نظيفة وحضارية وبها كل الأجهزة الطبية وتقدم كافة الخدمات العلاجية لكل المرضى. لقد تطورت المنظومة الصحية تماما، وتم بناء مستشفى في كل قرية لم نعد نسافر إلى المدينة للكشف أو العلاج.. كل شيء أصبح متاحا في قريتنا وكل المواطنين أصبح لهم تأمين صحي ولم يعد هناك إهمال في المستشفيات. وتم عمل شبكة طرق جديدة وقلت الحوادث بنسبة كبيرة وكل الشوارع مراقبة بكاميرات المراقبة. وقلت الجريمة وينتشر الأمن والأمان في ربوع المحروسة.
ياترى يا ابني انت سامعني.. عايزة أطمنك على مصر. إحنا عندنا فعلا جيش قوي دلوقتي أصبح بيصنع غالبية تسليحه من الأسلحة. وقريبا سيتم التصدير إلى الدول العربية والإفريقية. وأصبحت لدينا نهضة في كل المناحي ويتم العمل في كل المحاور لتسهيل حياة المواطن وخدمته ليتحقق بحق شعار ثورتكم "عيش. حرية. كرامة إنسانية"
فاكر دبي في رونقها الجميل وأبراجها الشاهقة وطرقها وبنيتها التحتية، دلوقتي كل رؤساء الأحياء والمدن والمراكز بيشتغلوا بجد وبخطط مدروسة كويس وأولويات بيحققوها، وكل واحد منهم عايز يكون الحي أو المدينة اللي هو مسئول عنها زي دبي وكل عام يتم اختيار رئيس الحي أو المدينة أو المركز الفائز وتكريمه وغالبا بيرشح نفسه بعدها على مقعد المحافظ في الانتخابات التالية.
وبيقام مسابقة كل عام لاختيار أجمل محافظة في التنسيق والنظافة وتلبية احتياجات المواطنين وحل مشاكلهم.. لم يعد هناك أمية ولا بطالة الكل بيشتغل زي خلية النحل والجميع أصبح لدية ولاء وانتماء قوي جدا لمكان عمله واقامته ولبلده.
كل شىء في البلد تحكمة قوانين تسري على الجميع والكل سواء أمام القانون لا استثناءات لأحد حتى الرئيس.
كما أننا أصبحنا نصدر للخارج الكثير من انتاجنا فالصحراء الصفراء تحولت إلى بقعة خضراء يملأها الخير وخرج المواطنون من الوادي الضيق إلى رحابة الوطن يقطنه ويعمره وجارٍ العمل على ممر التنيمة حلم د.فاروق الباز.
كما أصبحت صناعتنا تنافس الدول الكبرى. لقد كانت خطة الحكومة الجديدة أن تعلن على نهاية العام سداد كل ديوننا الخارجية وزيادة الاحتياطي النقدي وارتفاع معدل النمو والحد من تدفق العمالة الأجنبية والوصول إلى أن تكون نسبة البطالة 5% وأن تسهل على المواطن قضاء مصالحة عن طريق الإنترنت (الحكومة الإلكترونية).
كل شيء تطور ويتطور.. الكل يعمل وبجد وإتقان.
كما أصبح لدينا خمسة أحزاب سياسية كبرى تتنافس دائما بقوة وأصبح غالبية المواطنين مندمجين مع تلك الأحزاب ولدينا فعلا حياة ديمقراطية حقيقية وتداول للسلطة.
اصبحت مصر كما تمنيت.. فلترقد روحك بسلام لقد صنعت ثورتكم مجدا سنظل نتفاخر به مدى الحياة وأنا أم الشهيد.
حفظ الله الوطن ورحمكم الله رحمة واسعة
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.