في ذكرى المولد النبوي، التقيت صديقاً وأخاً لي في معرض التراث المغربي بأبوظبي، كنت تعارفته قبل يوم فقط، إنسان راق ومثقف، كلامه يشع بالمعرفة والعلم والأدب..
تحدثنا عن ثقافتنا وهويتنا، التي تترسخ مع الغربة أكثر فينا، كنا متوافقين في أغلب الأحاديث والمواضيع، خاصة على ضرورة العيش والتعرف على موروثنا الثقافي الغني وهويتنا المغربية.
تدحرجنا في الكلام من موضوع إلى آخر، حتى وصلنا إلى ضرورة التعايش، استشدهنا بدولة الإمارات، التي تمكنت وفق رؤية حكيمة من خلق نسيج مجتمعي متنوع، أكثر من 200 جنسية تحتضنها دولة الإمارات العربية المتحدة.. ناهيك عن عدد الزائرين يومياً إلى الدولة، إما للسياحة أو العمل أو أشياء أخرى، جنسيات من ثقافات عديدة ومن إيديولوجيات مختلفة، منها اللاديني.
رغم ذلك سماء البلد وأرضها مفتوحتان، والكل يعيش ويتعايش، خليط من جميع ألوان البشر والأديان، والغريب لا عنصرية ولا ضغينة، وكأن مبدأً كونياً يرخي بضلاله على موطن المؤسس الشيخ زايد تغمده الله برحمته، بالفعل هو مبدأ التسامح والتعايش الذي رفعته الدولة قبل 44 سنة من الاتحاد، بعد أن فتحت الباب على مصراعيه لكل راغب في زيارة البلد والعيش والعمل فيها.
قبل أقل من أسبوع احتفل العالمان الإسلامي والمسيحي بذكرى المولد النبوي الشريف وذكرى ميلاد المسيح عليه السلام، وهو يوم تاريخي حيث لم تتصادف هاتان الذكريان في نفس اليوم منذ سنة 1558 ميلادية الموافقة لسنة 966 هجرية.
كنا مع موعد مهم، يخص الأمتين الإسلامية والمسيحية، احتفالية في الصباح بمولد خير البرية -صلى الله عليه وسلم- بالنسبة للمسلمين والعالم الإسلامي، واحتفال مسائي بمخلِّص البشرية سيدنا عيسى عليه السلام، بالنسبة للمسيحيين، يوم مشهود تبادل فيه المسلم التحية مع المسيحي وغيره، واحتفل المسلمون والمسيحيون بأعياد نَبِيَّيْهم في جو روحاني انصهرت فيه الأرواح والمعتقدات.
توافق التاريخ بين العيدين يفرض التأمل فيما تزخر به الديانتان معا من مبادئ الاحترام والتعايش والأخوة والاحترام المتبادل، كما يفرض علينا التجند من أجل تشجيع المعرفة الحقيقية للمسلمين بالقيم المسيحية والمسيحييين برسالة الدين الإسلامي السمح، وندير الظهر لدعوات الصدام والكراهية، إذ الإسلام في جوهره ومحتوى رسالته ليس عدوا للغرب المسيحي كما أن المسيحية ليست عدوة للعالم المسلم.
هنا وجبت العودة إلى صديقي وحديثنا يوم عيد المولد النبوي الذي تزامن مع عيد المسيح، أراني صورا لرحلته إلى إسبانيا رفقة زوجته وأبنائه.. وبالتحديد إلى مدينة برشلونة، حيث قال لي إنه خلال زيارته أوقفه مظهر طبيعي خلاب، استوقفه هو وأسرته الصغيرة، كما وجد أطفالاً يلعبون انخرط معهم هو وأطفاله، بشعور عفوي رسم من خلاله الابتسامة على جميع الأطفال، ورسمها على وجه عائلاتهم الذين تحملقوا على مائدة لتناول الطعام.
بعد انتهاء فاصل اللعب، رحب بعائلات الأطفال، وأخذ مكاناً وسطهم، بدأوا في التعارف وتبادل الأحاديث إلى أن وصلوا إلى الدين، ذلك الموضوع الشائك، حاول أن يشرح لهم أن الدين الإسلامي بريء براءة الذئب من دم يوسف، مما يرتكبه المتطرفون والإرهابيون من جرائم، وأن الإسلام والمسيحية دين واحد.
قال إنه ضرب لهم مثلا، في كون الدين الإسلامي احتوى المسيحية واليهودية، وأن إيماننا بسيد الخلق -صلى الله عليه وسلم- مثل إيماننا بعيسى عليه السلام، انشدَّ الجميع إلى كلامه، حيث واصل القول إن ما يلزمنا هو التعايش والتلاقح لمحاربة الصورة القاتمة التي رسمها هؤلاء المحسوبون على الدين الإسلامي، والتي تشوه الدين الحنيف وتجعل الشكوك تحوم حول كل من يحمل صفة مسلم في بلاد الغرب.
خلاص البشرية اليوم، يتمحور حول مصطلح واحد.. هو التعايش، دون خلفيات مسبقة، أو محاولة للاستقطاب هنا وهناك، فالإنسان خلق على الفطرة وبالعقل يميز، وما تمثله دولة الإمارات العربية المتحدة من تعايش لهذا الكم من الجنسيات ومن إيديولوجيات مختلفة وجب أن يكون نموذجا لباقي الدول، حتى ننعم بالسلام وننبذ الكره والتعصب.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.