هل كان ليسلم لو علم الحقيقة؟

هل كان سيسلم لو علم أنه لا يصلي خلف الإمام سوى من ينتمي لطائفته وباقي الطوائف لا تفعل؟ هل كان سيسلم لو علم أن الإمام يعتبر من يخالف طائفته كافراً؟ هل كان سيسلم لو علم أنه في حين كان آمناً في بيته كان الإمام يدعو بخشوع في صلاة الجمعة والقيام والتراويح بأن يزلزل الله أقدامه ويرمِّل نساءه وييتم أطفاله لا لشيء إلا لأنه "كافر"؟ هل كان سيسلم لو علم أنه على بعد أمتار من المسجد المزين بالرخام الفخم والمحاصر بالعمارات الأسمنتية الضخمة التي أفقدت المكان قدسيته يصطف الناس جياعاً وحفاةً للحصول على وجبة مجانية دفع ثمنها أحد المعتمرين أو الحجاج؟

عربي بوست
تم النشر: 2016/01/06 الساعة 03:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/01/06 الساعة 03:06 بتوقيت غرينتش

قرأتُ منذ مدة أن شخصاً غير مسلم كان في ضيافة بعض المسلمين، وعرضوا له مشهداً للحرم المكي وهو يعجُّ بالمصلين، وسألوه كم من الوقت يحتاج هؤلاء ليصطفوا علماً أن الحرم يتكون من ثلاثة طوابق والناس لا يتحدثون نفس اللغة، فأجاب هؤلاء لا يمكن اصطفافهم. ثم حان وقت الصلاة فتقدم الشيخ وقال: استووا. فوقف الجميع في صفوف منتظمة في دقيقتين لا أكثر، فأسلم الشخص في الحين.

عادة لا أصدق مثل هذه القصص المنتشرة على الإنترنت لكن لنعتبر أن هذا حدث بالفعل، هل كان هذا الشخص سيسلم لو علم أن الصفوف ليست بتلك الدقة التي يتخيلها؟ هل كان سيسلم لو علم أن صراخ الأطفال يفقدك خشوعك أثناء الصلاة؟ هل كان سيسلم لو علم أنه في كثير من الأحيان يمتنع بعض الناس عن منحك مكاناً بجانبهم للصلاة؟ هل كان سيسلم لو علم أنه في مساجدنا نضطر للصلاة وأحذيتنا أمامنا حتى لا تُسرق؟ هل كان سيسلم لو علم أنك لا تستطيع الخروج مباشرة بعد انتهاء الصلاة لعدم انتظام الناس ومحاولة كل منهم الخروج أولاً؟ هل كان سيسلم لو علم أن المسلمين مختلفون فيما بينهم عن الصلاة بالسدل أو القبض؟ هل كان سيسلم لو علم أن هناك أشخاصاً يتحرشون بالنساء في صحن الكعبة؟ هل كان سيسلم لو علم أن الناس يسرقون بالمسجد؟ هل كان سيسلم لو علم أنك تكون مضطر لتحمُّل الروائح الكريهة التي تفقدك خشوعك أثناء الطواف؟ هل كان سيسلم لو علم أن الشرطة تطرد النساء من صحن الطواف قبل كل صلاة رغم أن لا شيء يحرم صلاتهن بجوار الكعبة.. وإذا ما سمحوا لهن بالصلاة يكدسونهن بين صناديق بلاستيكية؟

هل كان سيسلم لو علم أنه لا يصلي خلف الإمام سوى من ينتمي لطائفته وباقي الطوائف لا تفعل؟ هل كان سيسلم لو علم أن الإمام يعتبر من يخالف طائفته كافراً؟ هل كان سيسلم لو علم أنه في حين كان آمناً في بيته كان الإمام يدعو بخشوع في صلاة الجمعة والقيام والتراويح بأن يزلزل الله أقدامه ويرمِّل نساءه وييتم أطفاله لا لشيء إلا لأنه "كافر"؟ هل كان سيسلم لو علم أنه على بعد أمتار من المسجد المزين بالرخام الفخم والمحاصر بالعمارات الأسمنتية الضخمة التي أفقدت المكان قدسيته يصطف الناس جياعاً وحفاةً للحصول على وجبة مجانية دفع ثمنها أحد المعتمرين أو الحجاج؟ وأن بعض المصلين لا يحافظون على نظافة وقدسية المكان؟ وأنك لا تستطيع الوصول إلى الحجر الأسود إلا إذا كنت تتمتع بجسم ضخم وتضرب وتدفع من يقف أمامك، أما إذا كنت بجسم نحيل فمن سابع المستحيلات أن تتمكن من الوصول.

هل كان سيسلم لو علم أن مقابل المسجد أفخم الماركات العالمية التي تجعل من زيارة مكة سَفراً عاديًّا كأنك في باريس أو لندن حيث تفتقد للروحانية؟ هل كان ليسلم لو علم أن خشوعنا سرق منا.. وأن الحج والعمرة أصبحا عادات أكثر مما هي عبادات مثلما سرق منا الأكل والتلفاز رمضان.

لا أعتقد أنه كان ليسلم لو علم كل هذا، لو علم أننا ندعي التعايش وبأن ديننا دين تسامح ونحن غير قادرين على التعايش مع من ينتمون لنفس ديننا، نستعيذ بالله ممن يخالف مذهبنا ونكفر من لا يصلي ويستفزنا من يفطر في رمضان.

بعض الملتحين يرون غير الملتحي ناقص دين، وبعض المحجبات تحسب كأنها ضمنت الجنة بتلك القطعة من القماش.
لا أعتقد أنه كان ليسلم لو علم أننا نطالب بمساجد في الغرب الكافر وعُطَل في الأعياد الدينية ولكن في نفس الوقت
ونعتبر أنفسنا حماة للدين وأوصياء عليه.
وكأن مفاتيح الجنة بأيدينا..

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد