#وجدتُ_حلاً | من سِحْرِ الأرقَامِ إلَى سِحْرِ الحُرُوف

لَمْ تُغْوِنِي الْكُتُبُ وَلَا الرِّوَايَاتُ يَوْمًا.. لَمْ أَظُنَّ يَوْماً أنني سأحملُ بين يدي قَلَمًا أخطُّ بِه نَبَضاتِ قَلبِي، لَمْ أَكُنْ أَكْثَرَ مِنْ مُجَرَّد فَتَاةٍ منغمسةٍ وَسَطَ كُتُبِ الرِّياضياتِ ومقرَّراتِ الدِّراسة، أقضِي يومي بين مُعادَلَاتٍ ومُبَرْهَنَاتٍ وقَوَاعِد وَجَدتُ فِيهَا الْإِثَارَة، تَتَغَزَّلُ بِي تَارَةً وتَهْجُرنِي تَارَةً أُخْرَى.

عربي بوست
تم النشر: 2016/01/02 الساعة 01:26 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/01/02 الساعة 01:26 بتوقيت غرينتش

لَمْ تُغْوِنِي الْكُتُبُ وَلَا الرِّوَايَاتُ يَوْمًا.. لَمْ أَظُنَّ يَوْماً أنني سأحملُ بين يدي قَلَمًا أخطُّ بِه نَبَضاتِ قَلبِي، لَمْ أَكُنْ أَكْثَرَ مِنْ مُجَرَّد فَتَاةٍ منغمسةٍ وَسَطَ كُتُبِ الرِّياضياتِ ومقرَّراتِ الدِّراسة، أقضِي يومي بين مُعادَلَاتٍ ومُبَرْهَنَاتٍ وقَوَاعِد وَجَدتُ فِيهَا الْإِثَارَة، تَتَغَزَّلُ بِي تَارَةً وتَهْجُرنِي تَارَةً أُخْرَى، أرْقام تتَلاعبُ بذهْني كَيْفما تَشاء، تَجْعلنِي أَشعرُ أنني أَكْثَرُ مِنْ مجرَّدِ إِنْسَانٍ عادي.. إِلَى أَنْ صَفَعَتْنِي الْحَيَاةُ، إِلَى أَنْ تَجرَّعتُ مَرَارَةَ الأَلمِ، أَلَمٌ عَنِيفٌ، أَلَمٌ دَاخِلِيٌّ، أَلمٌ كُنتُ فِي حَاجَة ماسَّة إلى مُسكِّنٍ قَوِيٍّ حَتَّى يهدأ.. لَا صَدِيقَ ولَا رَفيقَ ولَا حَتَّى طبيبَ كان بِإِمْكَانِهِ وَصْفُ ذَلِكَ المُسكّن، لَمْ يَسْتَطِعْ أحَدٌ إِخْمَادَ الْحَرِيقِ دَاخِلِي.. أَلمٌ أَخرَجَ صرْخةَ الْأُنْثَى بداخلي.. صَرخةَ طفلٍ اُنْتُزِعَ مِنْ رَحِمِ أُمِّهِ لِلتَّوِّ.. لَا أحَد يَسْتَطِيعُ إسكَاتَهُ غَيْر ثَدْي أُمِّهِ، كنتُ أَنَا ذَلِكَ الطِّفْل وشَاءَتِ الأَقدارُ أَنْ أَجِدَ فِي الْكُتُبِ والْكِتَابَةِ ذَلِكَ الثَّدْي، وَحْدَها الْكِتَابَةُ تَمَكَّنَتْ مِنْ لَمْلَمْة جروحي وَوَقْفِ نزيفِي..

وَجدْتُ فِي كُلِّ كلمةٍ أقرأُها، في كل حرف أكتُبه، دواءً لدائِي، قَطْرة من قَطرَاتِ ماءٍ أرْوي بهَا ظَمئِي، حُروفٌ وكلماتٌ انتَشَلنِي سحرُهَا مِنْ حَافَّةِ الْبُؤْسِ والْيَأْسِ وأَعادَنِي إِلَى الْحَيَاة، كتبٌ خلَّصتْنِي وحرَّرتْنِي مِن تلكَ القوالِبِ الّتي صنعَها المُجتَمع، تِلكَ القَوالِب الّتِي تَسْحَقُنَا وَتأْخُذُ مِنَّا أحْيانًا أَنْبَلَ وَأَصْدَقَ مَا فِينَا، تِلْكَ القَوالب الَّتِي تَجْعلُ مِنَّا نُسَخاً مُكرَّرَةً مُمِلَّةً لاَ فَائِدةَ مِن وُجودِها لَا تُضِيفُ شَيْئاً ولاَ تُنقِص شيئاً، تِلْكَ القوالب الَّتي لطَالما قَيَّدتنِي..

إِلى كُلِّ قَارئٍ لِكَلِماتِي، إِلَى كُلِّ شَخْص تَجَرَّعَ مَرارَةَ الأَلمِ يوماً، إلَى كُلِّ مَن فَقَد عَزيزاً عَلى قَلْبِه، إِلَى كُلِّ أُنثَى قَضَتِ اللَّيلَ بَاكيةً عَلى رجلٍ كُلُّ ما يجِيدُه إفْسادُ كُحْلِ عَيْنيْها، إِلى كلِّ منْ ذاقَ طَعمَ الغَدْرِ مِن أقرَبِ الناسِ إليه، إلَى كلِّ مَنْ وَاجَهَ العَاصِفةَ يوماً وَهوَ يُبحِرُ فِي بَحْرِ الحَيَاة، إِلَى كلّ مَن تعثَّرَت قَدماهُ عَنْد أوَّلِ خُطوَة قام بها.. الفشل لا يعني أن تتوقف، أن لا نحاول خوفاً من الفشل أسوأ من أن نفشل ونحن نحاول، ازْرَعِ الأَمَلَ فِي نفْسِك، انْفُضِ الغُبارَ عنْك وَعُد إلى طَبيعَتكَ المُبدِعة، أحِبَّ نفْسَكَ دُونَ ُقيود، تَصالَحْ معَهَا، لا بَأسَ فِي أَنْ تَكُون مُختَلِفاً، لا بأْسَ فِي أَنْ يصِفَكَ الآخَرُونَ بالمَجْنونِ.. فَقط كُن أنْتَ كَما ترِيد لاَ كَما يُريدون لَك أنْ تَكون.. تَذكَّر أنَّكَ أنْت.. وَفقطْ أنْت مَن تَملِكُ حَقَّ الاخْتيَار، فَإمَّا أنْ تُعَانقَ الحَيَاة وَإمَّا أنْ تمُوتَ وأنْتَ علَى قَيْدِها.

الحَيَاةُ أكْبَر بكَثِيرٍ مِن أنْ نَعيشَها بُؤَسَاء، هَأَنَا الْيَوْمَ أُوَاجِهُ الصَّفْعَةَ بِابْتِسَامَةِ الْمُنْتَصِرَةِ الفَائِزَةِ كَانَ كُلُّ سِلَاَحِهَا كلِماتٍ وقَلَماً وَ يَقِيناً أَنَّ الله سَيجْعلُ بعْدَ العُسرِ يُسْراً، كَلِماتٍ جَعلتْ مِنَ الْألَمِ أَمَلاً، وقَلَماً أَخَاطَ كلَّ الْجِرَاح.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد