يتساءل الكثيرون عن سر الفلسطيني. ويتساءل الفلسطيني إن كان هناك فعلاً سر في وجوده. وفيما بين التساؤلات عاش الفلسطيني بقناعة ما بأنه لا بد من وجود سر به..
مما لا شك فيه أن هناك شيئاً ما غريباً بالفلسطيني. به بعض السحر الذي يقترب إلى معضلة السر ربما. فهذه القدرة على التعامل مع الواقع تحت الاحتلال قدرة غريبة. ترى الإنسان الفلسطيني فيها يتكيف مع كل الأحوال والظروف الصعبة التي تستمر في إعادة تشكيل نفسها لتزيد من الصعوبة عليه، ويخرج عادياً قوياً مصرًّا متحدياً. هناك قوة ما بإصرار الفلسطيني على الوجود مع احتضانه الزاهد للموت. هناك تحدٍّ يبدو أنه يغلب التحدي نفسه أمام عنفوان وكبرياء لا يُفهم له مبرر ملموس.
هناك واقع صعب يفرض نفسه كالسهل الممتنع. لا يكاد الناظر من بعيد يراه، والداخل إليه لا يلتفت إلى تعقيداته حتى يصادف أول حاجز.. ويتساءل عن امتداد الجدار الذي مع كل خطوة يبدو أنه يقترب من التهامه. وذلك النظام المتمثل بجندي أو شرطي حسن المظهر جميل الملامح مبتسم ابتسامة ودية عريضة، اذا ما لم يشك بفلسطينيتك، فتتحول سحنته إلى وجه عبوس وبندقية موجهة نحوك وكلام غليظ إذا ما أحس بالعروبة تجري بدمك.
واقع من الصعب إيجاد أجوبة واضحة لوضع النقاط على حروفه المبعثرة. فتاه منا وتهنا فيه..
واقع لا يميز بين المرأة والرجل في منظومة ليس لها علاقة بالمساواة والجندرية.
واقع تستطيع فيه الحراك.. ولكن حريتك محدودة بحاجز وجدار وتفتيش وتعطيل وتنكيل. تستطيع فيه التعبير عن نفسك ولكنك لا تعرف متى تكون تلك اللحظة التي تكون كلمتك فيها هي الخط الأحمر الممنوع.
وسواءً كنت من أي "شطر من أشطار الوطن المنشطر" بين حواجز وجدار واسلااك وانفصال واقتتال، فحالك يبقى أقل تعقيداً من أن تكون مقدسياً..
فأنت هنا وهناك!
وانت لست من هنا ولا من هناك!
انت فلسطيني ولكنك لا تحمل الجنسية الفلسطينية!
تحمل هوية إسرائيلية ولكنك لا تحمل الجنسية الإسرائيلية!
تملك حق الإقامة ولكنك لا تملك حق المواطن!
تتمتع ببعض المزايا ولكنك تدفع الضرائب أضعاف مضاعفة..
تؤمن كل ما باستطاعتك لتأمن البقاء في القدس ووجودك معلق كالورقة على شجرة في خريف عاصف..
تملك الأرض ولا تستطيع البناء..
تملك الإمكانيات ولا تمتلك الفرص..
تحمل جوازي سفر.. أحدهما وثيقة والآخر مؤقت، لدولتين لا تستطيع أن تقول إنك منهما عند السؤال.. فلا أنت من هاتين الدولتين، ولا يحق لك أن تكون حتى لو حملت جواز عبور بوثيقتيهما.
كبرت وكبر معك شعار: ارفع راسك فوق.. فالفدائي محررك والعرب في الجوار بانتظار نصرك.. وتنظر حولك فتجد الفدائي صار فريق كرة قدم والعرب بحاجة لمن ينصرهم..
يقولون لك اصمد..
وبيتك يُهَدَّم، وعائلتك تُهَجَّر، وابنك يُسجن، ودكانك يُحجز عليه، والتلفاز والغاز والكنبة التي كنت تشاهد عليها الأخبار والسيارة التي لم تدفع أقساطها بعدُ للبنك. فأنت مَدِين لضريبة الأملاك والسكن والدخل والمضافة والتأمين الوطني.. وكل نَفَس أخذته لن يمر بلا دفع ضريبة وجود فيه على ملك كان لك تملكه غصباً بلا صكوك وبلا غفران ما يسمى الاحتلال..
إن كنت رجلاً.. فأنت رجل فلسطيني.. اصمد.. ينكل بك، يتم تفتيشك اسكت.. ما دمت رجعت إلى منزلك فأنت فائز بقرعة الحياة لهذا النهار.
وإن كنتِ امرأة..
وإن كنتِ امرأة فاصبري.. فالصبر من شيم النساء.. وتحملي.. فلقد خُلقتِ من أجل التحمل.. وإن شقت عليك الأمور وابتُليتِ بالهموم فلا تأبهي فأنتِ امرأة.. أنتِ امرأة فلسطينية.. أنتِ أم الشهيد القادم أو الأسير المنتظر أنتِ الزوجة التي حملت من نطفة تم تهريبها من المعتقل
فمثلكِ كانت مريم.. ومنكِ خرج المسيح..
فكيف لا يكون بالفلسطيني سر.. وهو يحيا هكذا بين أفئدة الوجود متأملاً بحياةٍ كالبشر؟
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.