الوقت هو أهم الأمور للإنسان في حياته، ويبدأ الوقت في حياة الإنسان بمجرد ولادته وقدومه إلى هذا العالم، فأوّل المقاييس التي يتعلمها في طفولته هي الوقت، فعن طريق الوقت يستطيع تحديد مواعيد حياته الدينية والدنيوية، كما يستطيع أن ينظم حياته في إطار وحدة قياس متعارف عليها من طرف الجميع والتي تكمن في الأيام والشهور والسنوات..
عام ينصرم بحلوه ومره.. بجميله وقبيحه.. مخلفاً وراءه ذكريات وتجارب عظيمة تضيف لحياة الشخص نوعاً من الارتقاء والنضج الفكري.. وآخر قادم يتوعده ليمر بسرعة غيره من الأعوام كطفل يسرع في الانتهاء من تمارينه ليلحق موكب الأطفال خارجا من أجل لعبة الغميضة..
وبين هذا وذاك إنسان يسعى لإدراك ما لا يدرك.. فالزمن يشبه كثيراً نهراً جارياً بسرعات مختلفة، ساعة يهيج، وساعة يأتي عكرا وأخرى يأتي صافياً متلألئاً كمرآة تظهر محاسن الإنسان التي أنهكها السيل الماضي وجرفها لحيث لا يدري..
إن من نظر لحال الدنيا أيقن أن جديدها يبلى وملكها يفنى..عيشها عناء ونعيمها ابتلاء.. وبين هذا وذاك من تعلق بها على وجل ونسي أنها نعمة زائلة.. يقول عز وجل "يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار" [غافر: 39].
إن ذهاب عام، ومجيء آخر أمر يستدعي منا الوقوف مع أنفسنا وقفة جدية للمحاسبة الصادقة؛ ومساءلة النفس سؤالا صريحا ومباشرا.. هل أنا راض عني؟ هل فعلا حققت ما كنت آمل فيه؟ وذلك لأن من غفل عن نفسه اشتدت عليه حسراته، وأي حسرة على العبد أعظم من أن يكون عمره عليه حجة..
إن ترك المحاسبة والاسترسال يقود إلى الهلاك لا محالة، فيضيع الحق ويزين الباطل وينساق الإنسان في فعل ما كان يبدو له حراما في العام الماضي ولعل ما يبدو له خبيثا هذا العام سيصبح حلالا طيبا عما قريب..
تأمل يا عبد الله في حياتك فإنك محاسب على الفتيل قبل القطمير والصغير قبل الكبير ولا تنظر إلى صغر المعصية بل انظر إلى عظمة من عصيت..
إن محاسبة النفس فرصة لمعرفة نقائصها وثغراتها، فرصة لإصلاح النفس وتطهيرها والارتقاء بها، فرصة تجعلك دائم الاستعداد ليوم القيامة تعد الزاد و تستكثر منه.. فكلما اشتد الحساب اليوم سهل غدا والعكس بالعكس..
خد من يومك ساعة أو من شهرك يوما أو حتى من عامك شهرا لتدرك ما فاتك في كل هذه السنين الطوال، فالعمر يجري والأعوام تطوى والإنسان غافل، فمن أحسن فله الحسنى ومن أساء فلا يلومن إلا نفسه..
ونحن على أبواب انتهاء هذه السنة وانقضاء صفحة من صفحات حياتنا التي لا ندري عما طويناها، هل سودناها أم بيضناها؟ سنة سنودعها وربما لم تكن كما نريد، لم نحقق ما نطمح له و ربما تألمنا فيها كثيرا.. لن نجد فرصة أفضل منها لننطلق في محاسبة النفس والتقرب إلى لله والرضا بقدره وقضائه ولنعلم جميعا أن الأرزاق مقسمة ولن نموت حتى نستوفي كل سنين عمرنا وأرزاقنا. انتبه إلى ما قدمتْ يداك وما تنوي لعامك المقبل من خير أو شر فكل في كتاب محفوظ واحرص على سعادة الأبد فالدنيا فانية.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.