بدايةٌ ذاتُ عزم – التحضير لعام جديد

التخطيط حلٌّ وآلية اختراق للصعاب وأداة حسم ومصدر ولاء لكل واحد منا لو أتقنّا وفهِمنا فن التخطيط السليم. علينا أيضاً أن نعلم بأن كل خطّة نكتبها ليست مقدّسة، فكم من أمر أبرمناه تغيّرت حيثياته لحدوث ما ينقضه أو ما يُعيقه مع مرور الأيام. ولذلك فإنّ المرونة من أهم ما يتم تناوله في فقه التخطيط، فنلين لكل المتغيرات ونتكيف حتى نستطيع الوصول للمراد.

عربي بوست
تم النشر: 2015/12/28 الساعة 05:55 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2015/12/28 الساعة 05:55 بتوقيت غرينتش

في ازدحام دقائق ومكنونات هذه الحياة وتراكم الأجزاء فيها يحتاج الواحد منا ترتيب ما له وما عليه ليعيد النظام لحياته ويزيد من إنتاجيته كشاب مسلم.

لكن، كيف يكون للإنسان أثر إذا كان يعيش بعفوية وعشوائية في حياته دون أي تخطيط ليومه ومستقبله؟ وكيف يمكننا أن نمتلك عزيمة مثل عزيمة أبي حنيفة الذي كان يصلّي الفجر بوضوء العشاء يدرس ويقوم الليل دون كلل ولا ملل؟ وكيف نستطيع أن نصل لشيء تراه أعيننا ولا تستطيع أن تناله أيدينا؟

التخطيط حلٌّ وآلية اختراق للصعاب وأداة حسم ومصدر ولاء لكل واحد منا لو أتقنّا وفهِمنا فن التخطيط السليم. علينا أيضاً أن نعلم بأن كل خطّة نكتبها ليست مقدّسة، فكم من أمر أبرمناه تغيّرت حيثياته لحدوث ما ينقضه أو ما يُعيقه مع مرور الأيام. ولذلك فإنّ المرونة من أهم ما يتم تناوله في فقه التخطيط، فنلين لكل المتغيرات ونتكيف حتى نستطيع الوصول للمراد.

وإن بادر أحدنا لكتابة خطّة معينة فعليه أن يعلم أنها ستبقى جسداً وإنما تدب الروح فيها إذا تولى تنفيذها عنصر جادٌ متشوق للنصر وتحقيق الإنجاز.
ابدأ بالتخطيط لعامك الجديد، وكُن حضاري الأفق منهجي الأسلوب والوسيلة، واستغل هذه الأيام المتبقية من عامنا هذا بكتابة خطة مرنة فعّالة لعام جديد. ولعلك تسأل: كيف أبدأ؟
ومن خلال تجربتي المتواضعة في التخطيط السنوي أترك لكم الخطوات التي أرتكز عليها حينما أخطط في آخر شهر من كل عام..

الخُطوة الأولى
ابدأ بالورقة والقلم واستحضر قيمك الإسلامية واكتب كل ما يجول في خاطرك من أفكار وأهداف تريد أن تصل إليها بعد نهاية السنة القادمة. اكتب ما تحب وما تكره، ما تريد أن تكونه بعد عشر سنوات أو عشرين سنة، ما تريد أن تغيّر في شخصيتك وهيئتك وأسلوبك في الحياة، اكتب قيمك ومبادئك، اكتب المُعيقات التي تواجهها في حياتك واجعلها تحديات تجتازها بإرادتك وتصميمك. لا تُبْقِ شيئا في عقلك إلا و تكتبه. المهم هُنا أن تُفرغ كل ما في عقلك على الورقة التي بين يديك ولا تهتم لمنظر الورقة لأنها ستبدو لك في النهاية وكأنها "شخابيط".. فقط اكتب!
ستشعر بارتياح بعد الفراغ من هذه المرحلة ولك أن تأخذ قسطا من الراحة ساعات أو أيام. المهم أن ترجع للورقة بهمة وعزيمة شديدتين يساعدانك على البدء في التخطيط برويّة وعقلانية وحكمة.

الخُطوة الثانية
هات ورقة جديدة وقسمها للتالي: الروح والعقل والجسم والاجتماعيات والمال والعمل.. تعلمتُ هذه الأقسام بعد قراءتي لعدد من كتب التخطيط والإدارة وقمتُ بإضافة عناصر أخرى مناسبة لحياتي الشخصية. فهي ليست مُسلّمات، فيمكنك الإضافة أو التعديل عليها حسب ما تراه مناسباً لحياتك أنت أيضاً.
وإنْ سألت: ما الذي يجب عليّ أن أكتبه تحت كلٍّ من هذه البنود؟
سأعطيك أمثلة، ولنبدأ ببند الروح: هُنا، اكتب كيف تُريد أن تُحسن علاقتك مع الله عز وجل فتتعلّم معنى أسمائه الحُسنى من خلال الاستماع لسلسلة أسماء الله الحسنى للشيخ د.راتب النابلسي مثلاً والمتوفرة على اليوتيوب. أو عدد الأجزاء التي تُريد أن تحفظها خلال السنة أو الكتب الدينية التي تُريد قراءتها أو الدورات القرآنية لتحسين تلاوتك. يمكنك أن تكتب رحلة عُمرة تريد أن تقوم بها مع شخص معين. أو عدد ختمات القرآن خلال السنة. أو عدد أيام صيام التطوع.. إلخ.
العقل: هنا اكتب الكتب التي تريد أن تقرأها في تخصصك أو عدد المقالات التي تريد أن تكتبها وتنشرها في مواقع ومجلات. يمكنك أن تكتب الدورات والمؤتمرات العلمية التي تريد أن تحضرها أو اللغة الجديدة التي تريد أن تتعلمها.
العمل: أن تحصل على عمل مناسب لك وفي مجالك وأن تحدد الراتب الذي تريد أن تحصل عليه. أن تتواصل مع المؤسسات التي من الممكن أن تعمل معها لتكوّن علاقات مستقبلية مفيدة لك في المشروع الخاص بك (لو كان لديك واحد).
المال: حدد نسبة المال الذي تريد أن توفره لنفسك والصدقة التي تريد أن تخرجها وكيف ستتصرف بالمال الذي ستحصل عليه.
الصحة: الاستفادة بما جاء بالطب النبوي والابتعاد عن كل ما يضر بالصحة، الرياضة اليومية، نسبة الماء الذي تشرب.. إلخ.
الاجتماعيات: الأنشطة العائلية التي تُريد أن تفعلها مع أهلك وأقاربك وأصدقائك. تحديد الأصدقاء الذين ترغب في بقاء التواصل معهم وحذف كل "صديق" أو شخص لا تريده في حياتك لأنه مُعيق لا مُعين لك في رحلتك في هذه الدنيا.

أفرغ ما كتبته بالورقة الأولى تحت البنود المناسبة لها في الورقة الثانية وحينما تنتهي اترك الورقة وعدّل عليها وأضف أي هدف أو بند يُثري خطّتك ويدعم مشروعك الكبير
.
الخطوة الثالثة
راجع الأهداف كلها مع الانتباه على النقاط التالية:
أن يكون كل هدف ممكن التحقيق وواقعي، فمثلا لا تكتب هدفاً: "حفظ كتاب الله كاملا" إن لم يكن باستطاعتك ذلك. لكن يمكنك أن تحدد أجزاء معينة توزعها على الأشهر تكون مناسبة مع وقتك وأهدافك الأخرى في الخطة.
مرونة الخطة كما ذكرنا سابقاً: فلا تحدد شهراً أو وقتا معينا لتحقيق هدف ما، لكن كُن مرناً وأعطِ لنفسك بدائل عدة في الوقت وآلية التنفيذ لكل هدف حتى لو تغيرت الأحداث تكون خطتك سلسلة تستطيع التكيّف مع الأحداث حال تبدلها.
تأكد من إمكانية قياس كل هدف مكتوب في خطّتك من خلال إجابتك على سؤال، كيف يُمكنني التأكد من تحقيقي هذا الهدف؟ على سبيل المثال، حدد عدد الكتب التي تريد قراءتها وبذلك يمكنك تقييم أدائك لكل هدف.

الخطوة الرابعة والأخيرة
ابدأ بعمل جداول تنفيذية لكل هدف موجود في الخطة السنوية حتى يمكنك متابعة إنجازاتك شهراً بشهر واطبع الخطة والجداول واحتفظ بها في ملف خاص تحمله معك أينما ذهبت.
إنك لو قررت العيش في رحاب الوعي التخطيطي ستتذكر أياماً مضتْ من الأداء العفوي في العمل فتتجه نحو المنهجية الهَدَفيّة وتدفن تحت قدميك كل سلبية في ارتجالية حياتك. اعمل بالبركة الربانية واطلبها من الله بعد إتمام ما عليك فعله من تخطيط وعمل وادخل على المجهول وافتح المغاليق وستنبهر بالنتيجة وسترى طاقات كامنة لديك لم تكتشفها من ذي قبل.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد