تقوم القوات الخاصة الأميركية بدور قتالي أوسع نطاقاً في أفغانستان، ومن المفترض أن تكون الحرب قد انتهت في البلد الإسلامي الذي يقبع وسط آسيا، ومن المفترض أن تتوجه تلك القوات للمساعدة في قتال تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في معاقله بسوريا والعراق.
فهل تتسبب تهديدات داعش لأميركا وانتشار عناصر التنظيم في أكثر من منطقة بالعالم فى تغيير سياسة أوباما بعدم نشر قوات برية في مناطق النزاع.
الرئيس الأميركي، باراك أوباما، وجه أخيراً بإرسال نحو 300 من هؤلاء الجنود إلى الكاميرون لمساعدة القوات الأفريقية في معركتها ضد جماعة بوكرحرام التي دانت بولائها لـ"داعش".
وفي ظل الاضطرابات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط وسيطرة الجماعات الجهادية على أقاليم شاسعة في أفريقيا وإثارة مرشحي الحملات الرئاسية الأميركية لمخاوف انتشار الإرهاب، قام البيت الأبيض بتوسيع نطاق عمل قوات العمليات الخاصة الأميركية.
تغيير الاستراتيجية
ورغم أن الرئيس أوباما ذكر مراراً وتكراراً أنه يعارض فكرة تواجد القوات البرية الأميركية في مناطق نائية من العالم، قامت إدارته بوضع استثناءات لقوات العمليات الخاصة، حيث يلجأ المسؤولون الأميركيون إلى التلاعب بالألفاظ لإخفاء الدور القتالي لتلك القوات، وذلك بحسب التقرير الذي نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية الأحد 17 ديسمبر/كانون الأول 2015.
إدارةُ أوباما كانت أظهرت منذ وقت طويل نيتها الاعتمادَ على قوات العمليات الخاصة وعلى المهمات السرية كبديلٍ عن خوض حروبِ احتلال كبيرة.
لكن انتشار تنظيم داعش خلال 2014 سواءٌ من مراكزه في سوريا والعراق، أو عن طريق الموالين له في أفريقيا وجنوب آسيا، قاد البيت الأبيض إلى العودة إلى خيار "قوات النخبة" لمحاولة إنهاء الأزمات في تلك المناطق.
إرسال القوات الأميركية الخاصة لمناطق النزاع أظهر هدف إدارة أوباما المتمثل في سحب القوات المتمركزة من البلدان التي شهدت قتال القوات الأميركية على مدار أكثر من عقد من الزمان، ومواجهة الأزمات بعمليات نوعية للقوات الخاصة.
أفغانستان
البيت الأبيض يعكف الآن على دراسة مقترح لوزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) للاحتفاظ بقاعدة عسكرية واحدة في أفغانستان على مدار السنوات القادمة.
وتتعارض هذه الخطة مع تعهد أوباما بسحب جميع القوات من أفغانستان باستثناء قوة مكافحة الإرهاب والقوات التي تتولى حراسة السفارة الأميركية في العاصمة الأفغانية، كابول.
وذكر أوباما في أكتوبر/تشرين الأول 2015، أن نحو 5500 من القوات ستظل بالبلاد حتى نهاية مدة رئاسته في أوائل عام 2017.
ويرى المقترح استغلال تلك القاعدة في أفغانستان كمركز لقوات العمليات الخاصة والأجهزة الاستخبارية في وسط وجنوب آسيا، ولتكون جزءاً من شبكة القواعد العسكرية التي يريدها البنتاغون لمواجهة داعش في بلدان مثل ليبيا ومصر واليمن.
تنظيم "داعش"
ويحظى ضباط العمليات الخاصة بنفوذ كبير آخر في إطار حرب الإدارة الأميركية ضد داعش، بينما تهدد المناقشات حول التوسع في أدوارهم بتصعيد المنافسة التاريخية مع القوات العسكرية التقليدية ومع أطراف أخرى بالحكومة الأميركية.
وزارة الخارجية الأميركية من جانبها تسعى من خلال مبادرة جديدة تدعو لتوسيع حملتها لمواجهة آلة الدعاية لتنظيم داعش؛ ومن بين المرشحين لتصدر تلك الجهود هو مايكل لامبكن، كبير مسؤولي سياسات العمليات الخاصة بالبنتاغون.
وسابقاً تم نشر 13 ألف جندي من قوات العمليات الخاصة خلال ذروة الحروب في العراق وأفغانستان للقيام بمهام حول العالم، بينما تم تكليف الأغلبية العظمى من القوات بالعمل في هاتين الدولتين.
ويتم حالياً نشر 7500 من قوات العمليات الخاصة خارج نطاق الشرق الأوسط أو جنوب آسيا للعمل في 85 دولة، بحسب قيادة العمليات الخاصة للولايات المتحدة.
هيمنة كبار ضباط العمليات الخاصة
بحسب نيويورك تايمز، فإن هناك أدلة أخرى خفية على هيمنة كبار ضباط العمليات الخاصة.
حينما ظهر أوباما أمام الصحفيين بالبنتاغون خلال الشهر الجاري لمناقشة استراتيجية إدارته في محاربة داعش في سوريا، كان في صحبة مجموعة كبيرة من كبار مسؤولي الأمن القومي، ومن بينهم نائب الرئيس، جوزيف بايدن، ووزير الدفاع، آشتون كارتر، والجنرال جوزيف دانفورد رئيس هيئة الأركان المشتركة.
وإلى جانبهم أيضاً ظهر الجنرال فوتيل، رئيس قيادة العمليات الخاصة، والذي أثار تواجده دهشة بمقر وزارة الدفاع الأميركية.
دعوات لنشر مزيد من القوات
لكن مع هيمنة تهديد تنظيم داعش على خطابات مرشحي الحملات الرئاسية منذ هجمات باريس وسان برناردينو بكاليفورنيا، أعلن العديد من المرشحين عن الحاجة إلى نشر قوات خاصة إضافية.
ففي الوقت الذي تحدث فيه السيناتور ماركو روبيو من فلوريدا عن نشر القوات الخاصة مع الجنود العراقيين على خطوط المواجهة، ذكرت هيلاري كلينتون أنها تدرس إرسال قوات خاصة إلى سوريا تتجاوز أعداد القوات الخاصة التي أرسلها أوباما لمساعدة قوات المعارضة التي تقاتل داعش، والتي لم تتجاوز 50 من عناصر القوات الخاصة الأميركية.
وجاءت هذه الدعوات لإرسال قوات خاصة إضافية في ذات الوقت الذي أعلن فيه بعض المرشحين رفضهم إرسال قوات برية في أماكن مثل سوريا.
وكان الرئيس الأميركي أجاب على تساؤل بشأن نشر قوات العمليات الخاصة في سوريا والعراق، خلال مقابلة أجراها الشهر الجاري مع قناة CBS News الأميركية، بقوله: "حينما قلت لا توجد قوات برية، أعتقد أن الشعب الأميركي أدرك أننا لن نقوم بغزو العراق أو سوريا بالكتائب التي تزحف في الصحراء على غرار الغزو العراقي السابق".
تباين في التصريحات
ورغم ذلك فليس هناك اتفاق بين كبار المسؤولين الأميركيين بشأن الدور المنوط به لتلك القوات بالتحديد، وينكر كبار مساعدي أوباما وجود أي دور قتالي.
وقال أحد كبار المسؤولين بالإدارة الأميركية: "إنها ليست مهمة قتالية. إنها مهمة لتمكين الشركاء فقط."
ومع ذلك، فقد قال المتحدث العسكري الأميركي في بغداد، الكولونيل ستيفن وارين، خلال مؤتمر صحفي في 2 ديسمبر/ كانون الأول 2015: "أقصد أن الغارة تعد مهمة قتالية. نعم سيأتي المزيد من الأميركيين إلى العراق وسوف يقومون بغارات داخل كل من العراق وسوريا".
انتقادات للاستراتيجية
أنطوني كوردزمان، المحلل بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية قال: "المشكلة هي أن مثل تلك المهام قد تكون مضيعة للدماء والأموال الأميركية، وتتصرف إدارة أوباما حيال كل مشكلة جديدة لداعش من خلال زيادة القوة العسكرية التي تكون متأخرة وضئيلة".
وتم توجيه نفس الانتقاد لقرار الإدارة بإرسال 50 عنصراً من قوات العمليات الخاصة لتقديم المشورة إلى قوات المعارضة ومساعدتهم في حربهم ضد تنظيم داعش في شرق سوريا.
جبهات أخرى
ويعتمد البيت الأبيض أيضاً على قوات العمليات الخاصة في أماكن أخرى، ويعد نحو نصف القوات الأميركية البالغ عددها في أفغانستان 3500 جندي من العمليات الخاصة، وقد خاضوا أخيراً معارك في إقليم هيلماند ضد طالبان.
كما أعلن أوباما في أكتوبر/تشرين الأول 2015، أنه أرسل 300 من قواته ومعظمهم من العمليات الخاصة إلى الكاميرون للتعاون مع قوات من الكاميرون وتشاد وبنين والنيجر ونيجيريا، من أجل مواجهة تنظيم بوكو حرام في نيجيريا.
وذكر أوباما أن القوات الأميركية سوف توفر المعلومات الاستخبارية والإشراف والاستطلاع للمنطقة. كما أشار إلى أن القوات لن تشارك في العمليات القتالية.
هل تنجح استراتيجية قتال القاعدة مع داعش؟
ومع توسع عمليات نشر القوات الأميركية، طالب رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية قيادة العمليات الخاصة بتحديث دورها في تنسيق الاستجابة للأنشطة الإرهابية مع التركيز بصفة خاصة على داعش.
وقد تم إحباط تلك المجهودات بصورة جزئية من قبل القادة العسكريين الإقليميين الذين اعترضوا على فقدان استقلاليتهم في المناطق التي يشرفون عليها.
والآن، ومع امتداد نفوذ تنظيم داعش، يعتقد بعض الخبراء العسكريين أن تلك القوات سوف تكون ملائمة للمهمة المكلفة بها.
وقال جيمس ستافريديس، عميد كلية فليتشر للحقوق والدبلوماسية في تافتس :"الحلول الإقليمية سوف تكون محدودة؛ ومن ثم، فإن هناك حاجة إلى توجه عالمي تقوده قوات العمليات الخاصة ليكون بمثابة قوة دافعة وراء الشبكة الدولية من أجل دحر تنظيم داعش".
ومع ذلك، يرى آخرون مخاطر جمة في محاولة قتال داعش بذات الاستراتيجية العسكرية التي تم بها محاربة تنظيم القاعدة سابقاً.