هيكل العشّي وبعد فقدانه لنعمة البصر، حاول الانتحار في أكثر من مرّة وهو يأمل إلى الآن في الحصول على حقه وذلك بإحالة المتورط في هذه الجريمة إلى القضاء والقصاص منه قانونيا.
يوجد العشرات من أمثال هيكل من الذين تعرّضوا إلى جرائم تعذيب واعتداءات بالعنف من قبل قوات الأمن أو المحققين أو أعوان السجون، فالشاب أنيس الأسود أصيل مدينة القيروان هو الآخر تعرّض لحادثة اعتداء بالعنف الشديد يوم 2 أغسطس/آب 2014 من طرف قوات الأمن، بسبب رفضه الإهانة من قبل رئيس مركز الشرطة بمدينته، ووفقا لما رواه للمنظمة التونسية لمناهضة التعذيب، كان أنيس جالسا أمام باب منزله حين مرّ أمامه رئيس مركز شرطة بالقيروان واعتدى عليه لفظيا، فما كان من الشاب إلّا أن رد بالعنف اللفظي، وهو ما لم يقبله رئيس مركز الشرطة الّذي ظنّ نفسه فوق القانون فترجل وبادر بصفع أنيس الّذي رد إليه الصفعة ثم لاذ بالفرار.
لم يكن يخطر ببال أنيس أنّ صفع رجل الأمن الّذي يعتبر مواطنا تونسيا هو الآخر سيتسبّب له في عاهة دائمة، فبعد إلقاء القبض عليه تعرض أنيس للعنف المادي الشديد من قبل قوات الشرطة وهو ما تسبّب له بالشلل التام بعد أن أصيب بكسور في 7 فقرات من عموده الفقري.
حالة أنيس تدهورت يوما بعد آخر، فبعد أن كان يستطيع تحريك يديه نسبيا إثر هذه الكسور، أصبح اليوم غير قادر على تحريكهما بالإضافة إلى تفكّك أسرته بعد مغادرة زوجته لمحل الزوجية.
قاموا بشد ساقيها كل على حدة وأوهموها بالاغتصاب
الاعتداءات الأمنية لم تقتصر على الرجال فقط.. بل طالت النساء أيضا، حيث خسرت عاملة في قطاع الحضائر تدعى هادية نجلاوي تبلغ من العمر 49 سنة إحدى أسنانها، بعد تعرضها للاعتداء بالعنف الشديد من قبل عون أمن أمام مقر محافظة القصرين (وسط غرب) وذلك أثناء محاولة دخولها للمحافظة للمطالبة بتحسين وضعيتها المهنية، كما تورط أعوان أمن في محافظة سيدي بوزيد (وسط غرب) في تهمة التعذيب المعنوي لفتاة تدعى مريم، قاموا بشد ساقيها كل على حدة وإيهامها بالاغتصاب بغرض الترهيب.
هذه الاعتداءات المذكورة هي جزء من 295 حالة تعذيب تورط فيها بدرجة أولى رجال الشرطة ثم أعوان السجون ثم أفراد من الحرس الوطني ورصدتها المنظمة التونسية للوقاية من التعذيب خلال سنتي 2013 و2014 وذلك وفق ما صرّحت به عتاب الكوكي منسقة المنظمة، والتي ذكرت أيضا قصّتي شابين تونسيين أحدهما يدعى سفيان الرويسي يبلغ من العمر 19 سنة كان مسجونا في سجن المرناقية أين تعرّض إلى التعذيب وسكب الماء الساخن على جسده والاعتداء عليه بالعنف وحرمانه من دواء مرض الصّرع المصاب به، بل وصل الأمر إلى حدّ صلبه وعزله في زنزانة انفرادية. والقصّة الثانية فهي لمحمد البحري، البالغ من العمر 25 سنة والّذي فقد أسنانه بعد الاعتداء عليه بالعنف الشديد في مركز إيقاف بمحافظة صفاقس وذلك على خلفية اتّهامه باستهلاك مادة مخدرة.
خلية القيروان والتعذيب الممنهج
في شهر آب/أغسطس الماضي، قامت قوات الأمن باعتقال 7 أشخاص يشتبه في تكوينهم لخليّة إرهابية لاستهداف منشآت حيوية بالبلاد وهي القضية التي عرفت وقتها في الإعلام بـ"خلية القيروان"، لكن وبعد أن تم الإفراج عن الموقوفين السبعة، تفاجأ محاموهم بوجود آثار تعذيب فظيعة على أجسادهم.. وهو ما دفعهم إلى تقديم شكاية للنيابة العمومية لفتح تحقيق في آثار التعذيب وملابساتها، وعلى إثر ذلك قامت قوات الأمن التابعة لمركز التحقيق المكلف بالبحث في الملفات الإرهابية "القرجاني"ىباختطاف 5 أفراد من هذه الخلية التي قرّر قاضي التحقيق الإفراج عنها بهدف إخفائهم إلى حين زوال مخلّفات التعذيب وطمس الجريمة وفق ما صرّح به محاموهم.
أصبحت قضيّة الاختطاف والتعذيب في تلك الفترة قضيّة رأي عام تناولتها مختلف وسائل الإعلام كلٌّ بحسب زاويته وأجندته، فمن متّهم للموقوفين بالإرهاب ومبرّئ لوحدة التحقيق في الجرائم الإرهابية وتصويرها في صورة الملاك، إلى مبرّئ لأفراد الخلية الذين تعرّضوا للتعذيب وتصوير جلّاديهم في أبشع صورة.
وبعد أيّام من هذه الحادثة الّتي هزّت الرأي العام وبعد تدخّل لكلّ المنظمات الحقوقية فتح تحقيق في الغرض وأثبت الطب الشرعي تعرّض المعتقلين إلى التعذيب الوحشي، وأصدر تقريرا في الغرض وتمّ فتح بحث في تحديد ملابسات القضيّة وما زال هذا البحث جاريا إلى الآن مثله مثل مئات القضايا الأخرى الجارية إلى الآن والّتي رفعت من قبل الأفراد والمنظمات الحقوقية وكلّها تتعلّق بجرائم التعذيب والاعتداء بالعنف.
اعتراف دولي ومحلّي بتواصل التعذيب بعد ثورة 14 يناير/كانون الثاني
في شهر أبريل/نيسان 2014 وأثناء زيارتها لتونس، أكدت غابريال رايتر -مديرة المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب- في لقاء مع وسائل الإعلام، أن ظاهرة التعذيب في تونس ارتفعت وتواصلت ممارسات التعذيب وسوء المعاملة "بشكل وحشي بعد الثورة في عديد السجون" وذلك بسبب عدم التعجيل بإصلاح المنظومة الأمنية والسجنية والقضائية.
كما كشفت رئيس الجمعية التونسية لمناهضة التعذيب راضية النصراوي من جهتها في أكثر من مرّة عن تواصل التعذيب وسوء المعاملة بشكل وحشي بعد الثورة في عدد من السجون ومراكز الإيقاف وأرجعت هي الأخرى تواصل هذه الظاهرة إلى عدم التعجيل في إصلاح المنظومة الأمنية والسجنية والقضائية.
وقالت النصرواي إن الجمعية سجلت حالات وفاة مسترابة داخل السجون على غرار محمد علي بالناجي الذي توفي في سجن صفاقس في 23 مايو/آيار 2012 والذي أكدت عائلته تعرضه لسوء المعاملة والتعذيب إضافة إلى قبيل الجبالي الذي توفي في سجن المرناقية في 6 مايو/آيار 2012 والذي أكّد والده تعرّضه إلى التعذيب.
أمّا رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان عبد الستار بن موسى، قال إنّ انتهاكات التعذيب في تونس مرتبطة بعقلية أمنية لم تتغير بعد رغم عديد المحاولات لإصلاحها، مؤكدا أن الظاهرة ما زالت موجودة في بلادنا وهي ناتجة عن عقلية أمنية وعن ثغرات تشريعية وقانونية، ومن ذلك أن القانون التونسي يمكِّن من ممارسة التعذيب من خلال عدم السماح للمحامين بالحضور مع منوبيهم إلى أماكن الاحتفاظ موضحا أن القانون الخاص بهذه النقطة لم ينقح بعد رغم إقرار الدستور بذلك.
يبدو أنّ ملفّ التعذيب في تونس لن يغلق في المستقبل القريب، خاصّة بعد تتالي صرخات وشكاوى مواطنين ومنظمات حقوقية ومحامين وسجناء.. عبّروا في أكثر من مرّة أنّ قوّات الأمن وأعوان السجون في تونس أصبحوا يتمتّعون بحصانة من قبل الدّولة بسبب ضغط النقابات الأمنية أثناء تعاملهم مع المعتقلين والمسجونين، خاصّة فيما يتعلّق بقضايا الإرهاب وهو ما يتنافى مع القانون الدولي والاتفاقيات الدولية لمناهضة التعذيب التي أبرمتها تونس ويتنافى مع الدستور الجديد ومبادئ ثورة الحرية والكرامة.
هذا ويُذكر أنّ إحدى الإحصائيات لعدد ضحايا التعذيب والإهمال في سجون نظام بن علي التي نشرتها جمعية "حرية وإنصاف" الحقوقية تم ذكر أسماء 25 ناشطا قتلوا تحت التعذيب، وأكثر من 28 ناشطاً سياسياً ماتوا نتيجة الإهمال، وما لحق بهم من انتهاكات جسدية، تسببت لهم في عاهات جسدية ونفسية خطيرة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.