#وجدتُ_حلاً | منحةُ الخضوع

كيف نجوت؟ حاولت أن أجد حولاً كثيراً، حاولت أن أوقف مهزلة التذمر والبكاء التي اعتكفت في مصلاها، حاولت أن أعيد توازن نفسي، أردت أن أعود أنا، بمكانتي التي اعتدت أن أحتلها، أن لا يخيفني أحد وأن لا أشعر أَنِّي أقل من أحد. كيف فعلت ذلك؟ فعلته بأني وقفت أمام نفسي، واجهتها بكل مخاوفي، عرفت نقاط ضعفي، تركت الخوف بعيداً عنّي.

عربي بوست
تم النشر: 2015/12/25 الساعة 05:56 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2015/12/25 الساعة 05:56 بتوقيت غرينتش

وكأنما كان البارحة.. ست سنوات مرت على اختياري الطب، ابْتِلائِي به وإنعام الله عليّ به. خرجت من عالم الثانوية التي كنت ألمع بها.. لا تمر الكلمة حتى أعي ما مصدرها وما الذي ستؤول إليه، إلى عالم لا يبدو كأنه لي ولم أعِ كيف من الممكن أن يصير لي. دخلت اليوم الأول وكأنما دخلت يومي الأول في الصف الأول الابتدائي، عدت إلى البيت في حضن أمي أبكي كثيراً، تخليت عن حلم الطفولة وحلم المراهقة وحلمي الذي كان يدفعني للبقاء خوفاً من طريق مليء بالضباب في يوم عاصف بعد سكون ما وددت رحيله.

في تلك المرحلة كان علي أن أفعل الكثير لكي أتأقلم، كان عليّ أن أتأقلم مع الجوّ العام، مكان لا أعرف به الكثير من المقربين، كان عليّ أن أكتسح لساناً غير عربيّ، والأكثر إخافة من ذلك هو أن أسمع ما ليس عربياً طوال الوقت وأفهم. الحديث لم يكن مشكلة، فقد كان من الممكن أن أصمت، مصيبتي كانت في أن أحاول أن أكون بكامل تركيزي لأفك الشفرة التي سيلقيها دكتور ترك سريره لكي يقول ما عنده ويرحل، لا يهمّه من فهم ولا يهمه من ادّعى الفهم. كان صعباً أن تدرس الطب، والأصعب كان أن تقتنع أن خيارك كان واقعياً، وما يزيد الأمر صعوبة هو أن تكون مرشد نفسك، لم يكن في عائلتي طبيبٌ يخبرني أن هذا طبيعي ولم يكن في عائلتي واعٍ لكل الدراما التي أطلت التصرف بناء عليها.

كيف نجوت؟ حاولت أن أجد حولاً كثيراً، حاولت أن أوقف مهزلة التذمر والبكاء التي اعتكفت في مصلاها، حاولت أن أعيد توازن نفسي، أردت أن أعود أنا، بمكانتي التي اعتدت أن أحتلها، أن لا يخيفني أحد وأن لا أشعر أَنِّي أقل من أحد. كيف فعلت ذلك؟ فعلته بأني وقفت أمام نفسي، واجهتها بكل مخاوفي، عرفت نقاط ضعفي، تركت الخوف بعيداً عنّي. تركته بعيداً عن طريقي فقد كان عائقاً مميتاً لا أنا أتحرك به ولا أنا أرضى بما يقدّمه لي. اقتنعت بأن عليّ أن أعمل، عليّ أن أحسّن لغتي، عليّ أن أقابل الخوف بالعزيمة، الاستسلام بالإصرار، حرصت على أن أحيط نفسي بأناس يرفعونني، تجاهلت أقاويل الذين لا يتقبلون أحلامي، ابتعدت عن اعتزازي بنفسي وعدم تقبلي لحاجتي للتطور، ونويت أن أفعل لله شيئاً وأرفع أناساً معي حتى يرفعني الله بقوته، ولا يرفض محاولاتي.

ها أنا في سنة التخرج، أحصد ثمار التعب الطويل، أشكر الله أَنِّي ما استسلمت، وأحمد الله أَنِّي ما غدوت قليلة الحيلة مستعدة للخضوع. كيف أشعر؟ أشعر بالرضا بعد كل ما مررت به من خضاب المصاعب والابتلاء، سعيدة عندما أرى أولئك الذين تنبؤوا بسقوطي لا محالة، سعيدة عندما أرى نظرة الحسرة من أولئك الذين تركوني بلا مبالاة وأشعر بالرضا أَنِّي ما سمعت لأصوات نفسي التي تحبط، سعيدة أنا لأَنِّي وجدت حلاً وممتنة أنا لأَنِّي عرفت الطريق له.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد