كان من الطبيعي أن يثير الظهور الإعلامي الأخير لمدير الاستخبارات الجزائرية الجديد اللواء عثمان طرطاق (بشير) جدلاً كبيراً في البلاد، في ظل الهالة والغموض اللذين أحاطا بسلفه محمد مدين (الجنرال توفيق) الملقب بـ"صانع الرؤساء"، والذي كان أثار، بدوره، جدلاً آخر عبر رسالة طالب فيها برفع الظلم عن الجنرال حسان، المدير السابق لفرع مكافحة الإرهاب.
طرطاق الذي ظهر بلباس مدني -طقم أسود وربطة عنق وردية- أثار شهية وسائل الإعلام المحلية التي تحدثت عن كسر أسطورة الجنرال "الشبح" توفيق، الذي حكم الجزائر لربع قرن دون أن يتعرف أحد على ملامح وجهه أو حتى نبرة صوته، رغم أن الكثيرين يلقبونه مجازا بـ"رب الجزائر".
وربما أراد ساكنو قصر "المرادية" الترويج لصورة جديدة -أكثر إنسانية- للجنرالات الموالين لهم، مقابل "شيطنة" الطرف الآخر المنافس على السلطة والذي يمثّل الجنرال توفيق أحد أقطابه، إضافة إلى الجنرال حسان (عبد القادر آيت وعرابي) المحكوم مؤخرا بالسجن لخمس سنوات، ووزير الدفاع السابق اللواء خالد نزار والجنرال رشيد بن يلس، والذين رفضوا في وقت سابق ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية رابعة.
رسالة الجنرال توفيق والتي دافع فيها عن الجنرال حسان، مطالباً بـ"رفع الظلم عن ضابط خدم بلده بكل تفان"، تحتمل قراءات عدة، تبدأ بمحاولة تسجيل موقف بعد سنوات من الصمت المطبق، ولا تنتهي بالتحضير للعب أوراق أخرى، وخاصة أنها تتزامن مع تصريحات للواء خالد نزار وصف فيها الحكم بحق حسان بأنه "جريمة وافتراء".
ولا يبدو مستغرباً أن يسارع الأمين العام للحزب الحاكم -جبهة التحرير الوطني- عمار سعداني للتهكم على الجنرال توفيق ومحاولة التقليل من أهمية رسالته باعتبارها مجرد محاولة لسرقة الأضواء و"رسالة غريق من تحت الماء"، مشيرا إلى أن "النظام الذي رحل برحيل الجنرال توفيق لا يمكن إعادته برسالة".
غير أن اللافت هو تعليق رئيسة حزب العمال لويزة حنون، التي قالت إنها التقت بوتفليقة قبل سنوات وسألته حول اتهام الجنرال حسان بتأسيس جماعة مسلحة، مشيرة إلى أن بوتفليقة أكد لها أن حسان "رجل وطني"، وأن ملف قضيته طوي نهائياً، وهو ما جعلها تتساءل عن الجهة التي قامت بإعادة فتح الملف ومحاكمة الجنرال حسان وسجنه.
وهو ما يجعلنا نتساءل بدورنا عمن يدير البلاد حالياً ويصدر الأوامر بإقالة واستبعاد جميع المعارضين لـ"توريث الحكم"، وخاصة أن بوتفليقة ما زال يرفض لقاء مجموعة الـ19، والذين شككوا في أنه يقف خلف القرارات الصادرة في الفترة الأخيرة، ملمحين إلى احتمال "تغييبه" من قبل المحيطين به واتخاذ القرارات بالنيابة عنه، مستغلين أوضاعه الصحية الحرجة.
ويمكن الإشارة في هذا المجال إلى تسريبات إعلامية تشير إلى أن سعيد بوتفليقة الشقيق الأصغر لرئيس الجزائر والملقب بـ"ملك قصر زرالدة" يجري حاليا اجتماعات مكثفة مع بعض الجنرالات ورجال الأعمال لتعيين خليفة لرئيس الجمهورية، يكون قادرا على تهدئة الأجواء وإيقاف الصراع القائم على السلطة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.