انحبس المطر، جفت السماء وتشتتت السحب تجول في أصقاع المعمور، تسقي الخلق وتغض الطرف عن المؤمنين المسلمين، كلنا نهفو لقطرات الماء الذي جعله جل علاه إكسير الحياة وركيزة كل دابة على وجه الأرض.. انحبس المطر بعد أن كان وفيراً خلال السنة الفارطة.. مخلفاً فيضانات حملت معها المقهورين وأمْتِعَتِهِم في المغرب العميق إلى رحلة اللاعودة، وخراباً لم يكونوا ليقووا عليه لو ظلوا..
المسؤولون انهمكوا بعد ذلك في تعبيد الطرق وتشييد القناطر وتجديد البنية التحتية، مع كل المنى أن تصمد هذه المرة في وجه الكارثة، بينما المواطن يرجو من السماء أن تجود بنعيمها حتى لا يتضرر الزرع والضرع وتعم السكينة نفوس المشتغلين بالفلاحة، ولعل في دعواتنا ما نتقرب به إلى الله رجاءً في استجابته.
صوت المستضعفين اليوم يطلب العفو ويقرأ اللطيف فيما جرت به المقادير، فهم لا يستطيعون تحمل تبعات الجفاف، لذا اجتمعوا في صفوف رافعين أذرعهم طالبين الغيث العاجل وزوال الغمة، متبركين بأطفال ما زالت أفئدتهم بريئة بيضاء نقية وصحفهم لم تلطخها سيئات أعمالهم، هؤلاء لا يعلمون أنهم قرابين أريد بها غفر زلات ارتكبها من يفوقونهم سنا وتجربة ومسؤولية! إذ كيف تحل البركة والبلد صار مرتعاً لمتذوقي لحوم العالم، الذين أضحوا يفضلون المنتوجات المحلية على كثير من الأطباق العالمية، بالنظر ليسر الهضم وكثرة العرض وزهد الثمن، وهذا قليل من كثير، يكفي لترفض السماء الابتسام.
كيف نُسقى والطالبون للحقوق يركلون ويرفسون ويعذبون؟ فالمعلم الذي كاد أن يصبح رسولاً صار اليوم مهاناً يكتب حروف الشؤم لجيل التفاؤل والأمل، والطبيب محتاج لمداواة كدماته وجروحه قبل غيره من المواطنين المحتاجين لخدماته، والطالب ملتمس لزيادة المنحة ودوامها بعدما أنهكه السؤال والطلب وبات متسولا لفتات الخبز قبل العلم والتحصيل.. مثلهم كثر لذا تأبى السماء أن تمطر.
لِمَ تمطر السماء ووزراؤنا ممن رجونا فيهم الخير وخدمة البلاد يتبجحون بتصريحات تكسر أمل ضعفاء القوم، وآخر ترهاتهم ما أدلت به السيدة الوزيرة المحترمة المكلفة بقطاع "الماء في زمن الجفاف"، إذ أصرت بأن برلمانيينا ووزراءنا يحق لهم الاستفادة من التقاعد، واصفة وضعيتهم المادية بالصعبة لأنهم يتقاضون فقط "زوج فرنك" كتقاعد غير مريح. نواب الأمة مقهورون ومكتوون بانتقادات شعب لا يرحم، رازحون تحت وطأة مطالبه التعجيزية القاضية بتجويد الخدمات في التعليم، الصحة، السكن والشغل.. وكانت وزيرتنا التقدمية الحداثية دقيقة في تحليلها وفهمها للأوضاع فـ"الفرنك البرلماني" لا يمكنه مواكبة متطلبات حياة المسؤولين نواباً ووزراءً، وما يقتضيه وضعهم الاعتباري بالنظر لمصاريفهم اليومية في سبيل الارتقاء بالعمل السياسي وتشييد صروح الديمقراطية والمساهمة في العملية التنموية وكل ذلك ببقشيش يعتبر بصريح عبارة الوزيرة "زوج فرنك"..
صعب ذلك الإحساس بالاستحمار والاستغفال والاستبلاد وما شئت من مصطلحات الدونية صادرة عن مسؤولة حزبية وعضو حكومة تبين لنا أنها لا تختلف عن سابقاتها، فقد أبانت عن دفاع مستميت عن حق غير مشروع، ولم يعد اعتذارها مجدياً ولا إعلان سحبها لما وصفت به تقاعد المحظوظين مقبولا، لأن الصحفي بفطنته وحنكته أوقعها في المحظور، وحاصرها في زاوية ضيقة،فأفصحت عن كونها وزملائها من الوزراء والبرلمانيين في ضفة، ونحن المهمشين في واد سحيق. غير أن كل صعب على من في السماء يهون، فلتمطري ولتخلصينا من هؤلاء فقد طال جفافك، وأعيانا جفاؤهم، وصرنا نعلم "لم لا تمطر" وأستغفر الله أولاً وأخيراً..
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.