اعتاد المسيحيون في لبنان الاحتفال بعيد الميلاد وفق طقوس دينية خاصة يحرصون من خلالها على الابتعاد عن أجواء الصخب، والانصراف إلى العبادة والسهر مع العائلة.
طقوس يؤكد غابي سرور لـ "عربي بوست" أنها "متوارثة من الأجداد وهي ما تزال تنقل من جيل إلى آخر، حيث نمضي عادة ليلة الميلاد في منزل الأكبر سناً في العائلة، قبل أن نتوجه إلى الكنيسة لأداء الصلاة وممارسة الطقوس الخاصة بهذه الليلة " على حدّ قوله.
ويضيف سرور "سابقاً كانت الاحتفالات بعيد الميلاد تقتصر على الزينة في المنازل والساحات العامة وتحديداً في المناطق ذات الغالبية المسيحية، أما اليوم فنحن نشهد ظاهرة انتشار الزينة وأشجار الميلاد بشكل كبير في مختلف المناطق، حتى التي تعيش فيها غالبية إسلامية".
خوف على وجودهم!
الميلاد هذا العام في لبنان له بعض الخصوصية، حيث أخذت الاحتفالات المتنامية به بعداً سياسياً واضحاً، تجاوز الأبعاد الدينية بالدرجة الأولى، والاقتصادية كون المناسبة تساهم في تحريك الأسواق التجارية، حيث بدأت هذه الاحتفالات تدخل ضمن إطار وجودي ينطلق من التأكيد على الحضور المسيحي في لبنان والتشديد على بقائهم في أرضهم، ولا سيما في ظل ما يشهده المسيحيون في الشرق من هجرة، انعكست خوفاً على سائر المسيحيين في البلدان التي ما تزال بمنأى عن الفوضى، ومنها لبنان.
حسنا دمعة تقول لـ"عربي بوست" إن "الاحتفال بعيد الميلاد يكون في منازلنا، حيث نحضر الزينة والمأكولات الخاصة والحلويات، ونجتمع جميع أفراد العائلة، ونتبادل الأحاديث ونستمع إلى معاني المناسبة، قبل أن نتوجه للمشاركة في القداس".
وتضيف "سابقاً كانت الزينة بالنسبة لنا مجرد مصدر لإدخال البهجة، أما اليوم فهي بالنسبة لنا تأكيد على وجودنا في هذه المنطقة التي تشهد اضطرابات".
وتنتشر أشجار الميلاد والزينة والقرى الميلادية والمجسمات بشكل لافت هذا العام حيث تجتاح معظم المناطق في المدن الرئيسية في لبنان وتحديداً العاصمة بيروت وضواحيها، كما تنظم النشاطات الميلادية المواكبة وسط حضور متنوع مسيحي وإسلامي.
جنان مبيض إحدى المشرفات على قرية ميلادية أقيمت في طرابلس كبرى مدن شمال لبنان تقول "نحن أقمنا هذا النشاط للتأكيد على العيش المشترك بين المسلمين والمسيحيين، وللحفاظ على هذا التنوع الفريد في الشرق الأوسط والذي يكاد ينتهي مع ما يشهده عالمنا من حروب".
ولا يخفي العديد من المسيحيين خوفهم مما يجري في دول الجوار للبنان، وهم وإن كانوا مقتنعين بأن الوضع في لبنان مختلف إلا أنهم لا يراهنون على ذلك.
ويقول طوني توما "صحيح أن الوضع الأمني في لبنان مستقر، وصحيح أن الاستعدادات هذا العام للميلاد تفوق كل الأعوام الماضية، وصحيح أننا مع إخواننا المسلمين حوّلنا معظم الأسواق والساحات العامة إلى أماكن بهجة وفرح، ولكن لا يمكن الرهان على أي شيء، لأنه عندما تتضارب المصالح تسقط كل الخطوط الحمر وقد ندفع الثمن الذي دفعه أهلنا في سوريا والعراق".
واكبت التحضيرات لعيد الميلاد إجراءات أمنية مشددة من عناصر الجيش وقوى الأمن، كما تقام الحواجز عند مداخل الأسواق والتي تشهد إقبالاً لافتاً.