ليست مجرد شخصية

محبوب الملايين، هو من أرى فيه ذاك المبستم أبو ضحكة ممسوخة.. محبوب المتملقين، هو من أرى فيه ذاك المكافح وسط المزارعين والصيادين والعمال والكادحين، هو من أرى فيه مجرد ظاهرة صوتية تدعي النضال والشعارات الإنشائية، هو من أراه ذاك الأنيق والوسيم دوما.. الخارج من دروب القصدير والصفيح، هو ذاك المتزاحم.

عربي بوست
تم النشر: 2015/12/24 الساعة 06:11 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2015/12/24 الساعة 06:11 بتوقيت غرينتش

أراه دوماً في طيف خيالي..هو ليس شخصاً ولا شخصية، لا فلماً ولا رواية، لا قصة ولا حدوثة مشروخة المعاني، هو أنا، أنت، نحن، هو ذاك..

من أراه يخرج من جحره الملبد برطوبة الزمن، هو من أراه حراً في اختياراته.. فليلبس ما يشاء و يحب من يشاء ويكره من يشاء، هو من أراه تائها بين أسئلة الخبز والحلم، والزيت والسيارة، والشاي والسرير، والترقية والكريديهات، هو من أرى فيه الطموح والأحلام الوردية، هو من أرى فيه ذاك المخلوق التافه المنتمي لحلقة الصفر، هو من أراه محلقاً منطلقاً من قيود النمطية، هو من أرى فيه الشاب قبل أن أرى فيه الكهل المتباكي على أطلال الزمن الجميل، هو من أرى فيه الطامع والحربائي والمنافق والمتسلق للأدوار والسلالم، هو من أرى فيه ذاك الصادق الواضح البسيط..

محبوب الملايين، هو من أرى فيه ذاك المبستم أبو ضحكة ممسوخة.. محبوب المتملقين، هو من أرى فيه ذاك المكافح وسط المزارعين والصيادين والعمال والكادحين، هو من أرى فيه مجرد ظاهرة صوتية تدعي النضال والشعارات الإنشائية، هو من أراه ذاك الأنيق والوسيم دوما.. الخارج من دروب القصدير والصفيح، هو ذاك المتزاحم..عاشق الزحام في الأسواق الشعبية والأتوبيسات والمواسم والمهرجانات، هو من أرى فيه ذاك النكد اليومي في العمل اليومي والمهام اليومية المكتبية المملة، هو من أرى في محياه موتاً أتى بعد مراثون شاق بين حواجز الإدارة من أجل الحصول على وثيقة الحياة، هو المظلوم من أراه يضحك ويستسلم لحكم القضاء المؤجل.. ويقول في الاخير قضاء وقدر، هو من أراه يكافح ويناضل ليل نهار..

وهو المتسكع بين أسوار العلم، طلباً لصداقة كاذبة، هو من أراه في الحافلة، في لحظة انتظار مستفزة يستعرض ضعفه بحثا عن صدقة غير جارية، هو من أراه بملامحه الجامدة الباردة.. القوية والستالينية.. لكنه في قربه مجرد نسمة بريئة، هو من يراه الناس متكبرا ومغرورا.. وهو في الحقيقة مجرد إنسان بصمته وبكرامته.

هو ذاك البنكي.. من أراه من وراء زجاج ببدلته الأنيقة وابتسامته الآلية.. حكايات ضغط يومي من أرقام ودوامة أهداف وأرباح لا تنتهي، هو من أراه منتظرا تحت لهيب الشمس عن سويعات عمل مؤقتة أمام مصنع المليونير صاحب الفضل والكرم. هو من لم ولن يفهم ما معنى الديمقراطية وهو من يدعي نفسه سياسياً محنكاً، هو بقال الدرب صاحب الأفكار المتنورة في السياسة والحكامة والعلاقات الدولية.. الحاصل على الماجيستير في القانون الدولي، هو ذاك البرلماني من يتحدث بألفاظ خشبية عن المراسيم والقوانين.. وهو الحاصل على شهادة الابتدائية، هو من كان يحلم بأن يصبح طبيبا.. وفي الأخير صار مجرد جزار بئيس في الحومة المشؤومة، هو من كان يُنَظِّرُ ويفكر ويخطط ويبحث ويجتهد.. وفي الأخير يسرق منه رئيسه المباشر حقوقه غير المحفوظة، هو من يطمح فقط ليأكل ويشرب ويمارس حياته الطبيعية مع المدام، هو الموظف في مكتبة البلدية.. البئيس وسط رفوف من الكتب البالية، أراه صباح مساء يعتصر بحسرة سيجارة تنسيه أوهاما اسمها مبادئ، هو من أراه دوما ينتظر في محطة القطار، أو الحافلات، أو حتى التاكسيات، هو من أراه يوميا بمحفظته الأنيقة وبدلته الجذابة يتسكع بحثا عمن يشتري تلك الشامبوهات المقلدة، هو من تعانده الحياة، وتلعب به يمنة ويسرة، يعيش مراحل انتقالية، وأحلاما انتقالية، في بلد انتقالي ووطن انتقالي.

هو من أراه دوما في طيف خيالي.. هو ليس شخصا ولا شخصية، لا فلما ولا رواية، لا قصة ولا حدوثة مشروخة المعاني، بل هو أنا، أنت، ونحن، هو..حكاياتنا وحيواتنا.. مرآتنا وحقيقتنا…

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد