من هو رئيس الولايات المتحدة الأمريكية يوم ميلادي؟!

لا أدَّعِي العلم، ولكن أدَّعِي أن العلم والمعرفة قد غيّرا منظوري تجاه العالم بشكل جذري، ولا أدَّعِي أيضاً أني قارئ يتخذ من المطالعة من خلال الكتب سبيلاً بالرغم من قيمته بورقاته ومجلده وملمسه، ولكن ذلك لن يُوقِف حبي لمعرفة المزيد عن الأرصاد الجوية، أو يعرقل غايتي لمعرفة المزيد عن أحدث الطائرات العسكرية، أو يحبط هدفي في تحليل الشخصيات المرشحة عن الحزبين الديمقراطي والجمهوري في السباق الرئاسي نحو البيت الأبيض.

عربي بوست
تم النشر: 2015/12/23 الساعة 03:21 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2015/12/23 الساعة 03:21 بتوقيت غرينتش

نشأتُ على حُب القراءة، وكانت بدايتي مع قَصص الأنبياء بالتحديد في المرحلة الابتدائية.. لربما كان السبب آنذاك يعود لانبهاري بالمعجزات التي وقعتْ أيام الأنبياء، ومن ثم تطورتْ ليميلَ اهتمامي نحو الثقافة العامة، لم يكن غرضي في البداية إلا اختبار إخوتي واستعراض قدراتي الثقافية والمعرفية عليهن، خاصة أثناء عرض برنامج "من سيربح المليون؟".. حتى أفرطتُ في شراء كتب "سين وجيم" ومجلات "ماجد" وكأنما وقع أعز أصدقائي في حُب صفيحة بيتزا "موجة حارة" خرجتْ للتو من الفرن!

متى وقعتْ الحرب العالمية الأولى؟ بين مَن ومَن؟ وأين تقع أعلى الشلالات في العالم؟ ومن هو رئيس الولايات المتحدة الأميريكة يوم ميلادي؟ وهل كان ديمقراطياً أم جمهورياً؟.. كل هذه الأسئلة ألهمتني معرفة أجوبتها بأسرع ما يمكن، ويظل جهلي حامياً على جمر حتى ترش ماء المعرفة لتزيل الرماد الذي ساد أجوائي!

حتى جاء اليوم الذي أبلغتني فيه الإخصائية الاجتماعية بمدرستي الإعدادية عن اختياري مرشحاً للمدرسة في مسابقة ثقافية تبث على القناة المحلية.. لم أستوعب فرحتي آنذاك بسبب كم التبريكات من زملائي بهذه الفرصة، انطلقتُ ظهر اليوم التالي رفقة ثُلة من زملائي إلى محطة البث التلفزيوني بطريق الشط لأدخل إلى مسرح العرض وقلبي يدق وكأني ذُبابة، وعَرَقي يصب وكأنما غددي العرقية قد أنهتْ إضراباً لتعود للعمل بنشاط هذه الساعة.. وأنطلقتْ مُقدمة البرنامج بالسؤال تلو السؤال، وأجبتُ بما ملَّكني الله عِلمه لأخرج فائزاً براديو رمادي اللون كَتبَ له القدر من العُمر شهراً واحداً!

زاد فضولي بمرور السنين، ودرستُ مرحلتي الثانوية بمدرسة حملتْ اسم الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، ليزداد فضولي لمعرفة مَن يكون؟ ومن هنا تعمقتُ في دراسة التاريخ المصري الحديث بأحداثه وتواريخه ورؤسائه.. وأستطيع أن أقول إن ثقافتي السياسية بشكل عام قد تبلورت في هذه المرحلة، وما زاد في الأمر حلاوة هو ربط أي حدث سياسي أو تاريخي بموقع جغرافي أو حقبة معينة مما يكوّن شبكة من المعلومات المتراصة مع بعضها بعضاً في عقلنا الباطني، ضرباً للمثال، فقد وقعتْ حرب يوليو/تموز من العام 2006 ضد لبنان بعد يومين من انتهاء المباراة النهائية لكأس العالم لكرة القدم بين إيطاليا وفرنسا حيث قدَّمَ لاعب فرنسا الأول برأيي زين الدين زيدان مباراته الرسمية الأخيرة، اللاعب الذي تعُود جذوره إلى الجزائر، البلد الذي ساعدته ليبيا من باب الأخوة بالمال والسلاح أثناء الثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي لا سيما أثناء فترة الحكومة الليبية آنذاك برئاسة مصطفى بن حليم الذي تولى المنصب بين عامي 1954 وحتى 1957.. وهكذا يستمر ربط المعلومة بأختها.

لا أدَّعِي العلم، ولكن أدَّعِي أن العلم والمعرفة قد غيّرا منظوري تجاه العالم بشكل جذري، ولا أدَّعِي أيضاً أني قارئ يتخذ من المطالعة من خلال الكتب سبيلاً بالرغم من قيمته بورقاته ومجلده وملمسه، ولكن ذلك لن يُوقِف حبي لمعرفة المزيد عن الأرصاد الجوية، أو يعرقل غايتي لمعرفة المزيد عن أحدث الطائرات العسكرية، أو يحبط هدفي في تحليل الشخصيات المرشحة عن الحزبين الديمقراطي والجمهوري في السباق الرئاسي نحو البيت الأبيض.

وما يميز عصرنا الحالي هو إمكانية الوصول للمعلومة بطرق عدة، فقد يمرُ عليَّ مصطلح "الشرق الأوسط" في جريدة أو مجلة ما لينتابني الفضول أكثر بعد سماع هذا المصطلح في نشرات الأخبار التلفزيونية لمعرفة ما هو؟ حدوده؟ بلدانه؟ بما ينفرد به عن غيره؟ ولماذا يعتبر أسخن منطقة في العالم؟ لتجرني أناملي الفضولية نحو لوحة المفاتيح وهي تطبع "الشرق الأوسط" في خانة البحث في إحدى محركات البحث الرائدة لتتنوع مصادر المعرفة بشكل يجعل من تثقيف العقل أمراً لا مفر منه.

وقد كنتُ محظوظاً بالتعرف على أصدقاء يحملون نفس الاهتمام، أصدقاء ملمين بالتاريخ الألماني والحركة النازية من ألفها إلى يائها، وآخرين يحملون لليابان عشقاً من نوع آخر فبدأوا بتعلم لغتها، ووقعوا في غرام رسومها الكرتونية المعروفة باسم "أنمي"، وآخرين مهتمين بالنهضة التي أحدثها أردوغان في تركيا، وآخرين يتخذون من روايات أنيس منصور وأحلام مستغانمي كنزاً، وآخرين يحفظون أسماء لاعبي كرة القدم وانتقالاتهم وأهدافهم عن ظهر قلب، ولا ننسى المبدعين من أبناء المؤسسة الجامعية والذين سخّروا وقتهم وجهدهم في إدراك واستيعاب مفاهيم التخصص بعمق وهو جزء من التثقيف أيضاً.

غَايتي ومُناي وكل ما أطلبُه هو أن يفهم مُسلحو البلد الواحد آلية عمل المسدس، وكيفية احتراق البارود بداخله، وما هي أفضل زاوية لإطلاق المقذوفات ولماذا، قبل أن يطلقوا رصاصة واحدة نحو ابن بلدهم

كل ما أطلبُه، هو أن يُشاهد متعاطِي المخدِرات حلقة واحدة من المسلسل الأميركي "Breaking Bad" ويستوعبوا مفهوم اتزان التفاعلات الكيميائية الحاصلة قبل تناول غرام واحد من الهيرويين أو الكوكايين.

كل ما أطلبُه، هو أن تُعطى للأم المربيّة فرصة لتبتسم لأطفالها وهي تقول لابنتها: ستكونين قائدة، ليس بامتلاككِ لأموال الدنيا، ولكن بامتلاككِ "معرفة" كيفية معالجة جرح أخيك.. لتلتفتْ لابنها وهي تقول: ستكون قائداً، ليس بامتلاككَ لدبابات الأرض كاملةً، ولكن بامتلاككَ "معرفة" تصليح دراجة أختك بمفردك.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد