إذا كنت تظن أنك ستجد في هذه الحياة كل ما أردت.. ستكون دائماً مع من أحببت.. ستسعد وستفرح في كل وقت.. وستعيش مرتاحاً سالماً آمنا قبل أن يدركك الموت.. فأنت تحلم فقط .
أتذكر يوماً التقيت صديقتي وكانت حزينة جداً، فبدأت تحكي لي عن معاناتها ومشاكلها الشخصية والعملية، وعن كل الأبواب المغلقة أمامها، ثم سألتني سؤالاً مفاجئاً اخترقني بسرعة وأحدث صوتاً قوياً داخلي..
لماذا هذه الدنيا عاصية هكذا؟ متعبة هكذا؟
لماذا كل طريق سلكناه نجده مشوّكاً فلا نصل إلى ما أردنا حتى تدمى أقدامنا؟ وهذا إن وصلنا أصلاً، لماذا ما إن ننتهي من مرحلة حتى نجد أنفسنا دخلنا مرحلة أقسى منها؟ وما إن نحل مشكلة حتى نجد أنفسنا أمام مشكلة أصعب منها، ما إن نحس بطعم الراحة حتى يأتينا ما لم يكن في حسباننا، فنجد أنفسنا أننا طيلة هذه السنوات نجري ونركض لاهثين وراء الدنيا وشقائها الذي لا ينتهي.. كل شيء فيها مرهق يا صديقتي
فلم أجد إجابة أبلغ من أن أطبطب على كتفها وأهمس في أذنها "لأنها دنيا وليست جنة"..
مكتوب علينا في هذه الدنيا أن نتجرع كل أنواع العذاب وأن نتذوق كل أنواع المرارة، من يوم النفخ في روحنا إلى حين نزعها من جسدنا، سنعيش حالاً بعد حال، سنعيش الرخاء بعد الشدة ونعيش الفرح بعد الحزن ونعيش النجاح بعد الرسوب كما قال سبحانه في سورة الانشقاق "لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ".
مكتوب عليك أن تكابد كل أنواع الشدائد مصداقاً لقوله تعالى "لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان فِي كَبَد"، ستعيش في مشقة وشدة من يوم استقرار نطفتك في رحم أمك، ستعاني آلام المخاض، ثم الرضاعة، والإحساس بالجوع، ثم الفطام، ستسهر ليالي وأنت تتألم من آلام الأسنان وارتفاع حرارة جسمك، ثم آلام أمعائك وهي تتعود على الطعام لأول مرة، ثم صعوبة الحبو والخطوة الأولى، ثم الوقوف والسقوط، والمشي…
ستتعذب وأنت تتعلم النطق لأول مرة، ثم تبدأ في ربط الكلمات وتكوين الجمل، ستعاني وأنت تتعود على عادات لا تعرفها، والتعرف على الجميل والقبيح، ستتعلم كيف تأكل وكيف تشرب وما الذي لا يجب قوله أمام الناس، ستتذوق طعم الحرمان وكيف أن يكسر قلبك، ستشعر بالغضب والحزن لأول مرة حينما يمنعونك من مشاهدة فلمك الكرتوني المفضل، حينما يمنعونك من أكل الحلويات التي تريدها، ستتفاجأ بكل التغييرات التي حدثت في جسمك وحتى في عقلك.
ستحس أول مرة بالحب والإعجاب، ستسهر الليالي وأنت تحاول فهم ما حدث في قلبك وكيف يجب أن تتعايش معه، ستكابد معاناة الامتحانات، ستسهر الليالي من أجل أن تنال نقطاً مشرفة، ستحس بطعم الفشل والسقوط في كثير من المواقف والمنازل، ستحس يوما ما أنك وحيد ولا أحد بجانبك بالرغم من كثرة المحيطين بك، ستعاني خذلان الأحبة والأقرباء، ستتألم من هجرانهم، ستبكي بشوق على شخص تحت التراب ذهب دون توديعك بعد أن كان دائماً بقربك، سيكذبون عليك ويقولون لك عن شخص مات أنه سافر، وستظل تنتظره لسنين إلى أن تكتشف معنى الموت.
ستتيه في دروب الحياة بحثاً عن الله، ستحس بصداع في رأسك وأنت تفكر في ماهية وجودك، وأنت تفكر من خلق هذا الكون الكبير والشاسع، ستحتار من علم هذا الطائر أن يطير، ستضعف أمام الشهوات والنزوات، سيغلبك الهوى، ستتعب وأنت تبحث عن لقمة عيشك من مكان لمكان، ستكابد مشقة الزواج ومسؤولياته، ستشيخ وأنت تلبي كل حاجيات أطفالك لضمان مستقبلهم، وقد تذوق مرارة الابن العاصي، والذرية الفاسدة، ستخور قواك، وسيأتيك المرض، ستهرم وسيضعف بصرك وسمعك، ستتكأ على عصا، ستكابد الآلام وكل أنواع المرض، ستسهر الليالي وأنت تتوجع وتذرف دموع الندم على الصحة والرخاء الذي عشته من قبل، إلى أن تأتيك سكرات الموت وينتهي أجلك، وتسلم روحك إلى بارئها.
على رغم من اختلاف أدياننا، أعراقنا، ألواننا، أوطاننا سنعيش في كبد، فيا فرحة إنسان عاش حياته في كبد ولقي الجنة ويا حسرة إنسان عاش حياته في نفس الكبد ولقي النار.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.