عندما تباشر التحضير لأي فيديو جديد عليك أن تواجه نفسك بهذا السؤال، ما هو السوق "الرئيس" لعملك؟
هل هو موجه إلى القنوات التلفزيونية أم إلى YouTube، الأمر ليست له إجابة بسيطة وسهلة لكن سأضع بعض الحيثيات التي يمكن أن تساعدك على فهم السوق الرئيس لعملك:
الجمهور المستهدف:
إذا كنت تستهدف العائلات، الكبار والصغار، ربات البيوت (تحديداً) فالتلفاز هو السوق الأفضل، فما يزال وصول الشرائح السابقة لليوتيوب بشكل دوري أمراً محدوداً مقارنة مع التلفاز.
أما إذا كنت تستهدف فئة الشباب فاليوتيوب عموماً يعتبر الوسيلة الأفضل، كما أن المستقبل له، حيث يفضله الشباب لأن لا رقابة عليه ولا تحتاج إلى انتظار وقت معيّن لمشاهدة ما تريد، كما تستطيع الاشتراك بالقنوات التي تعجبك.
مدة الفيديو:
المنتجات القصيرة جداً (أقل من 10 دقائق) ليس لها سوق جيد في التلفاز فمن الصعب "حشر" عدد كافي من الإعلانات بداخلها (الدخل الرئيسي للقناة) كما أنها أقصر من أن تنتظرها في وقت محدد، فلو تأخرت قليلاً في تشغيل التلفاز فقد تخسر نصف الفيديو!
السوق التلفزيونية لها شرائح زمنية محددة تتعامل بها، الأمر أشبه بواحدات العملات النقدية، ربع ساعة تلفزيونية (وسطياً 12 دقيقة)، نصف ساعة تلفزيونية (وسطياً 24 دقيقة)، ساعة تلفزيونية (وسطياً 48 دقيقة).
وسبب وجود فرق ما بين الساعة التلفزيونية والساعة الحقيقية هو حاجة القناة لفراغ تبث فيه فواصل (شعار القناة لتأكيد الانتماء) وبروموهات (دعايات لبرامجها القادمة) وإعلانات (مصدر الدخل الرئيس لأي قناة).
كما أن السوق التلفزيونية تتطلّب عادة عدداً كبيراً من الحلقات لملء دورة برامجية واحدة على الأقل (3 أشهر)، أو لملء كامل أيام رمضان (30 حلقة).
العكس صحيح إلى حد ما، جمهور اليوتيوب لا يرغب بمشاهدة منتجات طويلة عادة (هناك استثناءات بالطبع عندما يكون المحتوى دسماً ومميزاً)، ويستحسن أن تكون المدة دون 10 دقائق ودراسات أخرى تتحدث عن مدة دون ال 5 دقائق، وتذكّر أن مشاهد اليوتيوب يستطيع القفز ضمن المادة كما يريد عندما يشعر بالملل.
الإحصائيات تقول أن الجمهور وسطياً يشاهد فقط 50% من مدة الفيديو الكاملة على يوتيوب، حيث يترك الفيديو مبكراً أو يقوم بقفزات عديدة ضمنه، تخيّل كم أصبح المشاهد قليل الصبر!
الرقابة:
ليست هناك قنوات تلفزيونية من دون رقابة، سواء كانت رقابة دينية أو سياسية أو أخلاقية … الخ كما أن لأغلبية القنوات التلفزيونية أجندة وتبعية واضحة من السهل معرفتها، وبث برنامج ما عليها قد يصنّف أتوماتيكياً هذا البرنامج ضمن فئة أو طائفة أو حزب معيّن.
على يوتيوب ليست هناك رقابة تقريباً، إلا اللهم إن كان هناك خطاب كراهية شديد أو دعوة للعنف أو محتوى إباحي، أو بالطبع سرقة لحقوق الملكية الفكرية وهذه ليست رقابة أصلاً.
طبيعة المحتوى:
البرامج الحوارية والدراما ما يزال مكانها الطبيعي في التلفاز، بينما الخطاب المباشر للكاميرا، الإنفوجرافيك، الفيديو كليبات، الفوتومونتاج وغيرها مكانها الأفضل هو اليوتيوب.
على التلفاز ويوتيوب معاً؟!
من الذكاء وضع منتج التلفاز على يوتيوب لكسب جمهور إضافي لكن الأمر يحتاج لتكنيك ودهاء، بداية لابد أن تكون الأسبقية للتلفاز وإلا خسرت القنوات وبالتالي المعلنين، ثانياً من الأفضل رفع مقاطع قصيرة من منتجك (إن سمحت طبيعة منتجك بذلك) بالإضافة إلى رفع كامل المنتج.
في تجربة برنامج سواعد الإخاء (التلفزيوني أصلاً)، كان البرنامج يبثّ على 32 قناة تلفزيونية في رمضان، وكنا نقوم برفع الحلقات على يوتيوب بعد انتهاء البث مباشرة، بالإضافة لرفع مقاطع قصيرة (أقل من 5 دقائق) مميزة من الحلقات، وكانت بعض المقاطع القصيرة تجلب مشاهدات على يوتيوب أعلى بكثير من الحلقة نفسها، فجمهور يوتيوب يريد أن يحصل على الزبدة والمتعة مباشرة.
أما بثّ منتج اليوتيوب على التلفاز فهو أمر ما يزال محدود للغاية، مثلاً مسلسل Inspiration الذي أنتجناه ليوتيوب تم بثّه في أكثر من 100 دولة حول العالم بلغات مختلفة، لكن سوقه الأساسي كان اليوتيوب والفيسبوك وما شابه من المنصّات الأونلاين.
وتيرة البث:
مشاهدوا التلفاز يضبطون جدول حياتهم ليطابق جدول بث برنامجهم أو مسلسلهم المفضل، وبذلك يجلس "كل" الجمهور لمشاهدة الفيديو بنفس اللحظة. بينما آلية المشاهدة على يوتيوب ليست منتظمة وتحتاج إلى وقت حتى يقوم الناس بنشره والحديث حوله في وسائل التواصل الإجتماعي وبذلك يحصل الفيديو على ال Potential Reach أو المشاهدات المأمولة له بعد فترة من وضع الفيديو وليس مباشرة.
مثلاً يمكن أن يتم عرض مسلسل تلفزيوني بشكل يومي (في رمضان مثلاً)، بينما لو قمت بنفس الأمر لمسلسل أو برنامج يوتيوبي فستقوم بأذية مشاهدات البرنامج، حيث ستأخذ كل حلقة الاهتمام من سابقتها قبل أن يسمع بها الناس حتى.
لذلك يفضّل أن تكون الحلقات أو الفيديوهات الخاصة بيوتيوب متباعدة (أسبوع أو أكثر) حتى تمنح الوقت للناس للحديث حولها.
العائدات المالية:
عائدات المنتجات التلفزيونية عادة هي بيع حقوق البث لقناة تلفزيونية معيّنة، أو الحصول على نسبة معيّنة من الإعلانات التي تبثّ خلال هذا المنتج.
بينما عائدات اليوتيوب فهي تختلف بحسب البلد أو الإقليم الذي تأتي منه المشاهدة، أربح المشاهدات هي تلك التي تأتي من الولايات المتحدة وأقلها ربحاً من دول افريقيا وبعض دول آسيا الفقيرة (معظم الدول العربية تقع ضمن الشريحة ذات العائدات المنخفضة).
من أبرز العائدات المالية المشتركة بين كل من المنتجات التلفزيونية واليوتيوبية هي الرعايةSponsorship ، حيث قد تقوم الرعاية لوحدها بتغطية كامل تكلفة الإنتاج بل وتأمين ربح جيد كذلك. الرعاة في العالم العربي بدؤوا بالانتباه لأهمية الرعاية على يوتيوب لكن الأمر يحتاج من المنتجين تجهيز أوراقهم جيداً ومعرفة طريقة خطاب الرعاة لتسويق نقاط قوة منتجهم اليوتيوبي. كما يحتاج اختيار الرعاة المناسبين ليوتيوب (المنتجات التي تهم الشباب من كلا الجنسين، أدوات رياضة، ألعاب كمبيوتر، مكياج… الخ)
أخيراً من أسوأ الإجابات على التساؤل الذي بدأت به هذه المقالة هو: "عملي أستهدف به كلاً من التلفاز ويوتيوب بنفس الوقت!" وهو يدلّ على قلّة خبرة برأيي، نعم من الممكن أن يتم عرضه على كلا الوسيلتين لكن من المهم أن تعلم أنك "تستهدف" وسيلة واحدة منهما فقط وستقوم بهيكلة منتجك بناء عليها، أما الثانية ففي أحسن الأحوال ستكون Bonus أو قيمة إضافية.
أشجّع الشباب على التوجّه ليوتيوب فهو المستقبل كما ذكرت. وأشجعهم أن يعملوا بجدّ ليس فقط لإنتاج فيديوهاتهم بل لأن يخصّصوا شخصاً واحداً على الأقل في فريقهم للتسويق ولخطاب الرعاة المحتملين، فمن دون المال تبقى عملية الإنتاج ومغامرة لا يمكن أن تستمر.
وهذا لوحده يحتاج مقالة أخرى…
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.