الجزء الأول : مقدمة
ترددتُ كثيراً قبل أن أحسم قراري أخيراً بالكتابة عن تلك التجربة القاسية التي صارت جزءاً لا يتجزأ من تكوين روحي وصميم وجداني..
لن أكون مُبالغاً حين أزعم أن يوماً واحداً من السنة والنصف الماضية إبّان تلك التجربة قد مرَّ دون أن تختلج في نفسي الذكريات وتعصف بروحي العواصف.
إن ما عاينتُه بأم عينَيْ كان أعظم وأقسى مما قد تجود به قريحة أفضل كتاب روايات الرعب.
كان ترددي طوال تلك الفترة نابعاً في الأساس من شعوري بعدم الاستعداد النفسي بعد لكي أخوض تجربة مثيرة مثل الكتابة، خاصة إن كانت تلك الكتابة ستعيد فتح جراح سكنت لبعض الوقت وإن كانت لم تندمل تماماً ولا أحسبها ستفعل!
كما أني فكرتُ ملياً في مدى تأثير ما سأكتب وإن كان سيُحدث فارقاً أو يغير وضعاً قائماً منذ زمن وربما كتب عنه الكثيرون ولكن ساكناً لم يتحرك!
على الجانب الآخر كان ما تبقى لدي من إنسانية لم يُفلح الظلم في القضاء عليها أو تشويهها هو الدافع الرئيس الذي يحثني كل يوم لكي أكتب وأفضح نظاماً قمعيا يتلذذ بالتنكيل بالمستضعفين.
النقطة الأبرز في ذلك هي أني سأكتب عن كوني كنت سجينا جنائياً ولم أكن سياسياً .. ربما كان السجناء السياسيون أوفر حظاً حيث سيجدون الكثيرين من بين أصدقائهم المثقفين والكتاب من يكتب عن معاناتهم كل يوم ويذكرون ما يتعرضون له على مدوناتهم وصفحاتهم علي فيسبوك وتويتر. مما يشكل ضغطاً على النظام قد يؤدي إلى تحسين -ولو طفيف- في ظروف معيشتهم القاسية داخل السجون.
أما أن تكون سجيناً جنائياً -حتي وإن كنت مظلوماً- فذلك شأن آخر حقاً.
في نظر الدولة وفي نظر الناس.. لن يرحمك أي منهما!
علي كُلٍّ.. لقد اتخذت قراري وعزمت على أن أكتب كل التفاصيل المؤلمة وأن أفضح كل الممارسات الظالمة قدر المستطاع؛ احتراماً لإنسانيتي ووفاءً لرفاق الزنازين من المظلومين والمساكين الذين يموتون ببطء كل يوم من سوء المعاملة والإهمال المتعمد.
ربما سأخفي أو أعدل بعض التفاصيل والأسماء كي لا أجلب لهم مزيداً من الألم والمعاناة وبالطبع لا أريد أن أجلب لنفسي المتاعب أيضاً مع نظام فاشي كهذا.
في المرة المقبلة سأبدأ في سرد الحكايات داعياً الله أن يرزقني الثبات ويعينني على تكملة ما بدأت وأن يرزق كل المظلومين الصبر والأمل وأن يساعدهم ما سأكتب في رفع الظلم عنهم وإعطائهم أبسط حقوقهم.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.