فيلم ” تخليد الذكريات” حالة إجتماعية مهجورة !

من منا بلا ماضٍ وذكريات عتيقة.. ذكريات تشكل جزءاً أساسياً من حاضرنا ومستقبلنا، تمنينا تخليدها لتذكرها بين الحين والآخر. ذكريات لم تكن يوماً أناساً فحسب، بل أماكن ارتباطنا بها لفترات طويلة وقد نكون لا نزال على علاقة بها حتى الآن.

عربي بوست
تم النشر: 2015/12/19 الساعة 01:05 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2015/12/19 الساعة 01:05 بتوقيت غرينتش

من منا بلا ماضٍ وذكريات عتيقة.. ذكريات تشكل جزءاً أساسياً من حاضرنا ومستقبلنا، تمنينا تخليدها لتذكرها بين الحين والآخر. ذكريات لم تكن يوماً أناساً فحسب، بل أماكن ارتباطنا بها لفترات طويلة وقد نكون لا نزال على علاقة بها حتى الآن. منذ فترة قصيرة أقيم مهرجان أجيال السينمائي والذي قام بعرض الكثير من الأفلام العالمية بجانب أفلام قصيرة تحت مسمى "صنع في قطر" . صنع في قطر كانت من إخراج شباب صنعوا أفلاماً تمس واقعنا وقلوبنا. كان من ضمن الأفلام التي اختيرت للعرض فيلم "تخليد الذكريات" لمخرجه مصطفى الشيشتاوي، بالرغم من بساطة الفيلم إلا أنه قد أحيا بداخلي ذكريات لأماكن وأشخاص أثرت في حياتي، أماكن أحببتها بصدق وأناس تعلقت بهم..

يدور الفيلم حول "عمارة العيطة" وهي من أقدم المباني بالعاصمة القطرية "الدوحة" يحكي بعضاً من قصص سكانه الذين عاشوا كأسرة واحدة لما يقرب من خمسة وثلاثين عاماً. لم تحمل جدران العمارة تلك الذكريات وحيدة بل شملت الذكريات الشارع بأكمله. ذلك الشارع الذي يحمل عبق الماضي بمحاله الصغيرة المزدحمة والتي تتسم بالبساطة..

ما زالتُ أتذكر تلك الجملة التي قالها أحد سكان العمارة "المكان ذكريات والذكريات بالناس اللي عاشوا فيه". المبني لم يحكِ فقط بعض الذكريات الثمينة لسكانه وإنما سرد حالة اجتماعية نفتقدها حالياً للعديد من الأسباب. الترابط، والألفة، والعيش ضمن أسرة كبيرة من المعارف والجيران هو ما جعل الفيلم متفرداً. الفيلم يحكي حالنا جميعا ويذكرنا بحق الجيرة الذي اختفى بسبب مشاغل الحياة مع العمارات الشاهقة والسعي وراء حياة أفضل، أصبحنا نعيش في عزلة عمن حولنا وقد تكون تلك العزلة حتى عن أسرتنا الصغيرة التي ربينا بها..

كنت من الجمهور الذين مس الفيلم قلوبهم بسبب تلك الحالة التي يضعك بها فتبدأ في تذكر طفولتك وشبابك، وكيف تغير الوضع. شخصياً كانت طفولتي حافلة بالذكريات التي ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بأماكن وأشخاص جمعتني بهم أبهى اللحظات، ولكن عند الانتقال للعيش بإحدى العمارات الشاهقة والمصممة حديثاً لم يكن للتواصل بين جيران العمارة من مكان، بالإضافة لذكريات العمارة التي لا تنتهي، تظل الراحة النفسية المرتبطة بالمكان عاملاً أساسياً لارتباط سكانه به..

بعد مشاهدة الفيلم أشفقت على أطفال اليوم الذين لم يحظوا بطفولة حقيقة، طفولتهم أصبحت تتلخص في أحدث إصدرات الهواتف المحمولة من أجل الألعاب الإلكترونية، ومشاهدة التلفاز بالساعات بلا حركة. كيف لطفولة أن تخلو من تكوين علاقات اجتماعية تدوم للأبد، وكيف لها أن تتلخص في عالم إليكتروني ليس له علاقة بالواقع! أشفقت على حالنا جميعاً الذي تلخص في البحث عن الدار قبل الجار، الجار الذي قد لا أكون على دراية باسمه بعد السكن لسنين بنفس الطابق! نحن من نصنع الذكريات ونبقيها أونمحيها..

أصر مخرج الفيلم على تخليد ذكرياته التي شكلت جزءاً كبيراً من شخصيته، وكما فعل هو أتمنى أن نُبقي جميعا ذكرياتنا حية، أن نصنع علاقات اجتماعية وثيقة بكل ممن حولنا وأن نعلم أطفالنا أهمية تلك العلاقات، أن نسعى دائما لتطبيق مقولة الجار قبل الدار فقد يفنى المكان ولكن الأشخاص باقون.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد