مر العام الأول على التسريبات الصادرة من مكتب السيسي، والتي وثقت لعدد من الجرائم التي اقدم قادة الانقلاب العسكري في مصر على ارتكابها بحق الدستور والقانون دونما حسيب أو رقيب، الأمر الذي يدفعنا للتساؤل، أين وصلت التحقيقات في تلك التسريبات؟ بل أين وصلت التحقيقات في الجرائم التي ارتكبها الجيش منذ أن وصل إلى السلطة بعد عزل الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك وبعد الانقلاب العسكري في مصر؟
لقد تزامن مرور عام على تسريبات مكتب السيسي مع قيام الجيش مؤخراً بالإفراج عن أكثر من ثلاثين معتقلاً من أبناء سيناء كانوا محتجزين بداخل سجن العازولي سيئ الصيت في حالة إخفاء قسري، بعضهم كان مختفياً قسراً لأكثر من عامين ولم يعرف له طريق وما إذا كان حيا أو ميتا دون أن يُعرف لماذا تم اعتقالهم ودون أن يُعرف لماذا تم الإفراج عنهم، ولا يستطيع أحد منهم أن يطالب بأي تحقيق يذكر خوفاً أن يرجع مرة أخرى إلى أتون العذاب، كما مثلت عملية الإفراج عن المختفين قسراً بداخل سجن العازولي مطلباً مشروعاً لمعاودة طرح نفس السؤال هل سيكون هناك تحقيق ما فيما تم لهؤلاء المواطنين من إخفاء قسري، أم سيضاف ذلك إلى قائمة الانتهاكات والجرائم الطويلة التي لم يتم فتحها أوالحديث عنها؟
قبل أن نتطرق إلى الإجابة يجب أن يكون معلوماً أننا ندين بالولاء إلى ثورة 25 يناير التي جعلتنا نطالب بالتحقيقات في الجرائم التي يرتكبها الجيش بحق المدنيين بعدما كان مترسخاً في المجتمع المصري أن الجيش لا يتم التحقيق معه ومنتسبيه منزهون عن التحقيق والعقاب بسبب ارتكابهم لجرائم حقوق الإنسان.
فمنذ ثورة يناير ارتكب منتسبو الجيش من جنود وضباط المئات من الجرائم التي تمثل انتهاكاً صارخاً وفجاً بحق المواطن المصري ظهر فيها الجيش بمظهره الطبيعي دون أي رتوش أو تجميل وظهر ما يعتنقه مرتكبو هذه الجرائم من سادية ووحشية.
وخلال الثلاث فترات التي مرت بها مصر مؤخراً وهي فترة حكم المجلس العسكري بعد ثورة 25 يناير وفترة حكم الرئيس محمد مرسي وفترة الانقلاب العسكري التي نعيشها حالياً نستطيع أن نقول إنه لم يتم التحقيق في بعض الجرائم من الأساس أو لم يتم معرفة أين ذهبت التحقيقات في بعض الوقائع التي اضطر الجيش أن يفتح تحقيقاً فيها.
لم يتم التحقيق مع منتسبي الجيش في الجرائم التي ارتكبوها بحق المتظاهرين في أثناء فض اعتصام المتحف المصري، أو أحداث محمد محمود الأولى والتي راح ضحيتها 61 من المتظاهرين، أو أحداث مجلس الوزراء التي سقط فيها 26 من المتظاهرين، أو أحداث العباسية الثانية، أوفض اعتصام وزارة الدفاع.. وغيرها من الأحداث التي تم العمل على رصدها وتوثيقها خلال فترة حكم المجلس العسكري، والتي تسببت في مقتل 235 مواطناً في أحداث سياسية طبقا لما رصده الزملاء في مبادرة ويكي ثورة.
كان دائماً الجيش يخرج من المشهد سواء عن طريق ليِّ الحقائق وإظهار الجيش بمظهر المعتدى عليه أو يقوم الجيش وعلى لسان المتحدث باسم المجلس العسكري بعد كل جريمة بالاعتذار فى بيان صحفي علي الفيسبوك "والمسامح كريم".
لقد استطاع الجيش في هذه الفترة أن يستخدم جيداً ما لدية من رصيد لدى قطاعات عريضة من الشعب المصري في أن ينهي أي مطالبات أو اجراءات للتحقيق في الجرائم التي ارتكبها معتمداً على اعتذارات ووعود بالتحقيق لم تسفر عن شيء ولم يستطع أحد أن يتابعها بسبب ما يقوم به الجيش من إخفاء للمعلومات معتبراً قيام ضباطه وجنوده بالتعذيب وانتهاك الأعراض والقتل "أسرار حربية" لا يجب أن يطلع عليها أحد.
وخلال عهد الرئيس محمد مرسي استطاع الجيش بعلاقاته الوطيدة مع حكومة هشام قنديل وحزب الحرية والعدالة أن يمنع أي تعديلات على قانون القضاء العسكري بما يتيح مزيداً من الشفافية والعدالة في عمل الهيئات القضائية التابعة للجيش أو تعديل قانون عدم مساءلة العسكريين عما يرتكبونه من جرائم بحق المدنيين أمام القضاء المدني ووصل الأمر لما هو أبعد من ذلك من منع تقرير لجنة تقصي الحقائق وهو التقرير الوحيد الذي أدين فيه الجيش بشكل واضح في عمليات اعتقال تعسفي وإخفاء قسري وتعذيب وقتل من أن يأخذ مسارة الصحيح.
وبعد الانقلاب العسكري الذي قادة عبد الفتاح السيسي في الثالث من يوليو/تموز 2013 أصبح الطريق ممهداً لعمليات الإفلات من العقاب، دون حتى أن يقوم المتحدث العسكري بالاعتذار أو بالوعد في إجراء التحقيق اللازم كما كان يفعل سابقاً، بل أصبح من الخطورة بمكان أن يقوم أحد بالمطالبة أو السؤال أو حتى الحديث عن الجرم الذي يرتكبه الجيش بحق المواطنين.
لم يُقدم أحد من ضباط الجيش وجنود الجيش للمساءلة لما ارتكبوه بحق المتظاهرين في التظاهرات التي خرجت منددة بالانقلاب العسكري، وقد قام الجيش بشكل مباشر بالاشتباك مع المدنيين على مستوى الجمهورية وارتكب مذابح بمعاونة قوات الشرطة خلال الفترة ما بين 30 يونيو/حزيران 2013 وحتى نهاية يناير/كانون الثاني 2014 أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 3 آلاف متظاهر ومعتصم، كان الجيش وآلياته العسكرية في مقدمة الصفوف لقمع التظاهرات وقتل المتظاهرين.
ومثلت واقعة اختطاف الدكتور محمد مرسي ووضعة بداخل إحدي القواعد العسكرية وعملية التزوير "والشغل على المية البيضا" الذي قام به الجيش في تلك الواقعة مثالاً أكثر دلالة، فبعد مرور عام كامل على التسريبات هل هناك أحد يعرف ماذا تم من تحقيقات في هذا الأمر، خصوصاً وأن النيابة العسكرية هي من تحقق فيه؟ الإجابة بالتأكيد لا أحد يعرف أيضاً.
لقد عمل الجيش على عدم ذكر اسمه في أي تحقيقات أو تقارير ولو كانت شكلية.. مثل تقرير لجنة تقصي حقائق 30 يونيو/حزيران أو تقرير المجلس القومي لحقوق الإنسان، سواء إيجاباً اوسلباً بل تحول الأمر إلى حد التهديد المباشر لكل من يفتح تحقيقاً أو تقريرًا مطالباً بمعرفة حقيقة ما ارتكبه ويرتكبه الجيش من جرائم لحقوق الإنسان منذ الانقلاب العسكري أو منذ بداية عملياته العسكرية في سيناء تحت زعم "الحرب على الإرهاب" ومثلت بيانات المتحدث العسكري ما بعد الانقلاب أحكاماً قضائية صادرة باسم القوات المسلحة بتكفير وقتل المدنيين.
لم يتوقف الأمر عند ذلك فحسب بل قام الجيش بشرعنة عملية تكميم الأفواه والترهيب لكل من تسول له نفسه محاولة السؤال أو التحقيق أو إظهار بيانات مخالفة لما يظهره الجيش من معلومات فيما يسمى حربه "الحرب على الارهاب" طبقاً لقانون الإرهاب الجديد وكأنه لا يكفيه ما لديه من سلطة ترهيب وترغيب بل لا بد أن يصبح الأمر مقنناً بقانون.
الإجابة واضحة لا شك فيها، أنه لن يتم التحقيق في انتهاكات الجيش لحقوق الإنسان التي ارتكبها وما زال يرتكبها وفي يديه السلطة والحكم، فالجيش لا يعرف معنىً لحقوق الإنسان أو قوانين أو دستور ومحاولة الحديث عن هكذا معايير ومبادئ في ظل وجوده على رأس سلطة أي دولة شيء من العبث ومضيعة للوقت.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.