وأنــتَ مستدفئ في بيتك الأنيق، ومتسمر أمام تلفازك الذكي، ومستمتع بجمال ودلال زوجتك ومرح أطفالك.. فكر بشاب عاطل بشهادة عليا يحارب من أجل الحصول على وظيفة بائسة لن تستطيع فتح ربع بيت!
و أنــتِ غارقة داخل سريرك الحريري، شاردة أمام هاتفك الذكي، منتظرة رسالة أو مكالمة من حبيبك قد تقلب كيانك وتهبك السعادة، فكري بالعاهرة التي خرجت تبتاع الخبز بجسدها وتهب شرفها لمن يدفع أكثر مقابل جسمها الذي أثقله همّ أمٍّ معطوبة وإخوة صغار مشردين وأب عربيد سكير قد يذبحها وإخوتها في لحظة نشوة إن لم يجد الدراهم حاضرة..
وأنــتَ أمام مكتبك الخشبي الملاكي، منهمك بحاسوبك الرفيع، وأعمالك القيمة، مختلس النظر إلى ساعتك الذهبية لتعرف كم مر من الوقت.. فكر بكهل فصل من الوظيفة فقط لأنه لم يقدم القهوة للمدير على النحو الذي يحب، وعاد لبيته في العشوائيات بابتسامة مصطنعة وتفاحتين تقتسمهما العائلة، موهماً أولاده بأنه ترقى وهاتان التفحاتان الوليمة..
وأنــتِ تغطين أبناءك جيداً حتى لا يتسرب البرد إلى أجسادهم الصغيرة.. وتقفلين الغرفة بعناية فائقة، حتى لا تزعجي نومتهم الملائكية، فكري في مشردي الشوارع، مغيبي هذا الوطن، لا مأوى ولا حضن سوى البلاط ولا ملجأ من شم المخدر إلا النفخ فيه.
و أنــتِ أمام ركامات الدروس التي لا تنتهي، وجشع الأساتذة اللامحدود، تعانين الأمرين مع دروس متراكمة وفكر المدرسين البائس، فكل أستاذ يظن أنه الوحيد الذي يدرسك فينهل عليك بدروس لا تنفع ولا تضيف شيئاً، فكري بمن حُرمت لذة الدراسة وصويحبات الدراسة وتوثر الدراسة وزَوّجَـها أبوها يوم انتصب نهداها لكبير "الدُّوار" وأخذ مقابلها أرضاً صغيرة وثوراً يحرثُها.
و أنــت تقرأ هذه الكلمات فكر.. بمن سرقوا أحــلام هذا الـــــوطن.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.