كُنّا ننتظِرُ عيد المِيلاد المَجيد بفرحةٍ لا تَقِلُّ عن فَرْحَتِنا بأعيادنا، نَتَوَجَّهُ صباحًا إلى جارَتِنا أُمِّ إلياس لنُعايِدَها ونتذوَّقَ أَشهى أَطباق الحلويات التي كانَتْ تَتَفَنَّنُ جارتُنا بإعدادها، نَنْبَهِرُ بالأجواء الرائعة التي حَضَّرَتْ لها مُنذ شهر، والتي إنْ عَبَّرَتْ عن شيْءٍ فهي تُعَبِّرُ عن البَهْجَةِ والفَرَحِ وتَكْسِرُ الرُّوتينَ اليومِيَّ وَتَبْعَثُ على السعادة.
أمّا جارَتُنا فكانَتْ بِدَوْرِها أَوَّلَ المُهَنِّئينَ لنا في أعيادنا، كانَتْ حياةً جميلةً بكُلِّ ما تَحْمِلُهُ مِن مَعنى، لم يَكُنْ في قُلُوبنا ضغينةٌ لِأخوتنا، كُنّا نَعِيشُ معًا بسلام وطُمَأْنِينة، الجارُ للجارِ، حتّى خَرَجَ عَلَينا مَن يُكَفِّرُ وَيُهَدِّدُ وَيَتَوَعَّدُ، وَيُحَرِّمُ جُمْلَةَ "كلّ عامٍ وأنتم بخير" بِحُجَّةِ أنَّ هذه الجُملةَ لها معانٍ خفيَّةٌ.
لَسْتُ بِصَدَدِ الدُّخول في مَتاهاتٍ أَعْرِفُ مُسَبَّقًا أنَّها سَتَجْلِبُ ليَ انْتِقادًا واسِعًا ورُبّما شتائِمَ وخِلافَه ولكنِّي -عزيزي القارئ- اعْتَدْتُ أنْ أَقِيسَ الأُمُور بِنَتائِجِها، وما نُشاهِدُهُ اليومَ مِن نتائِجَ لهذا الفِكْرِ سلبيَّةٌ بِكُلِّ المَقاييس، انْظُرْ لِما جَلَبَتْهُ لنا الطائفيَّةُ؟ ويلاتٍ ودمارًا لنْ يَنْتَهِيَ إلّا بانتهائها؟ هل كُنْتَ تَتخَيَّلُ قبلَ عُقُودٍ قليلةٍ أنْ تُسْبى النِّساءُ على أَرْضِنا العربيّة؛ لأنَّهم مِن دِيانةٍ مُختَلِفَةٍ؟! انْظُرُوا إلى حالِنا اليوم، انْظُرُوا لِحالَةِ التخوينِ وانْعِدامِ الثقة التي أَصْبَحْنا نَنْظُرُ للآخَر بها، انْظُرُوا إلى حالَة التَّخَوُّفِ والتَّرَقُّبِ وَعَدَمِ الأَمان التي باتَ يَشْعُرُ بها أُخْوَتُنا في الوطن، والتي تَدْفَعُ بَعضَهم لِلْهِجرة أو الاستقواء بالخارج كرهًا، خوفًا على أنفسهم وأعراضهم كما يَحْصلُ في دُوَلِ النزاع.
أينَ عُقُولُنا مِن كُلِّ ما يَجْرِي؟! لِماذا نُسَلِّمُها بسُهُولةٍ لِمَنْ يَعْبَثُ بها؟! لو أَرادَ اللهُ لَخَلَقَنا كُلَّنا على نفس الدِّين ولكنَّهُ جَعَلَنا مُخْتَلِفِينَ لِنَتعايَشَ وَنَتَفاهَمَ وَنَتَحابَّ.
اقْرَأْ في التاريخ -عزيزي القارئ- البُلْدانَ التي لا يَتَعايَشُ سُكّانُها بِسَلامٍ والتي لا يَحْتَرِمُ الفَرْدُ فيها الآخَرَ المُخْتَلِفَ، لن تَرى الازدهار والتَّطَوُّرَ.
ما المانِعُ في أنْ نَقُولَ للجَميع كلَّ عامٍ وأَنْتُم بِخَيْرٍ؟! هي جُمْلَةٌ تَصْلُحُ لِكُلِّ يوم، لن تُزَعْزِعَ إيمانَكَ إنْ كُنْتَ واثقًا بنفسِكَ ودِينِكَ، ولنْ تُغَيِّرَ أَفكارَكَ أو مَبادِئكَ، ولكنَّها قد تفعَلُ المُعْجِزاتِ معَ الآخَر، تُعْطِيهِ الطُّمَأْنِينَةَ والأَمَلَ بِغَدٍ أَجْمَلَ يَسُودُهُ الإِخاءُ والمَحَبَّة.
مُشارَكَتُكَ فَرْحَةَ إخوانِكَ في الوَطن لا تَعْنِي إِيمانَكَ المُطْلَقَ بِما يُؤْمِنُونَ، إنَّما هي رِسالةُ احترامٍ وَمَحَبَّةٍ تُقَدِّمُها لِإِخْوَتِكَ الذينَ يَجْمَعُكَ مَعَهم وَطَنٌ واحِدٌ ولُغَةٌ واحِدَةٌ وَعِشْرَةٌ وَعَيْشٌ وَمِلْحٌ.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.