الكثير يتمنى أن يكونَ الأولَ، أن يكونَ في القمةِ دائماً، أن يصلَ إلى الأعلى ويتركَ أثراً جميلاً في الدنيا .. ولكن إلى أين؟ وأي قمةٍ؟
الكل يريدُ ذلكَ، والكل يتخدُ مسالكَ شتى، فمنهم من يجعلُ من مصائبِ القومِ سلماً يتسلقُ بهِ، ومنهم من يستعملُ الحيلةَ حتى يستطيعَ الوثبَ عاليا، دعني آخدُ منكَ بعضَ الثواني، أو دقيقةً فقط، سأحدثكَ عما أعيشهُ حقاً، لا أريدُ كبسةَ زركَ تلك، فقط اقرأ هذا وامضِ نحوَ سبيلِ حالك..
هل فكرتَ يوماً وسألتَ نفسك، ما الذي سأجنيه من وراءِ الساعاتِ الطويلة أمامَ أطنانٍ من الكتب والمراجع، ورقةٌ مختومٌ عليها بتوقيعِ الأكاديمية، وماذا بعد موظفٍ بشركةٍ ما، وماذا بعد؟ عملٌ قار، سكنٌ مريح، وكرسي متحرك، زوجةٌ ثم أطفال.. وماذا بعد؟ شيخوخة وموتٌ حتمي.. وماذا بعد؟ لا شيء.. جنةٌ أو نار..
فهل من المنطقي أن يسَخِّرَ الله لنا الكونَ برمتهِ لكي ننساقَ وفقَ نظامٍ مادي معين كقطيعٍ من الأغنام؟
هل يمكنُ لهذا الخالقِ أن يجعلَ من خِلْقَتِكَ هدفاً مادياً ، أو مقترناً بزمنٍ محددٍ وهكذا تنتهي القصة وإعلان وفاتك؟ أنا أستبعدُ هذا إطلاقاً جملةً وتفصيلاً، لأنَ هذا التفكير لا يتصفُ بالكمالِ الإلهي، ومعاذَ الله أن يخلقنا الله لأجلِ شيءٍ تافهٍ يقترن بزمنٍ محدد أو هدفٍ معينٍ لا قيمةَ ولا وزنَ له في ملكِ الله.
إننا اليوم نعيشُ في وسطٍ هائلٍ بالنزوات والهفواتِ الفكرية، نعيشُ أمامَ كومةٍ من البؤس والشؤم الجاثم على صدورنا، وبالكاد نحاول قسراً أن نتخلصَ من رفاثِ ومخلفات المستبدين، وفي خضم كل هذا ننسى الأصل والمنطلق، ننسى أن هذا الكونَ البديع الذي حلقه الله في أكمل صورة، لا يمكنُ أن يكونَ وجودنا فيه عبيثاً محضاً. معاذ الله أن يسخرَ لك الجبال والأنهار، ويسير الكونَ وفقَ نظامٍ كمالي لا هفوةَ تعلوه ولا شائبَ يحدوه، إنه بحقٍ كونٌ مسخرٌ لمن يريدُ أن يعرفَ رسالة الحياة، ومغزى الوجود..
صديقي، أنا فقط أحاولُ أن أوقظَ شيئاً من الخلايا عطلهُ الانكسار التاريخيُ والزمنُ المادي، وفلسفةُ الحياة المعقدة، والركض وراءَ مناصبَ وما إلى ذلك، أريدكَ أن تفكرَ خارجَ الصندوقِ الأسود، أريدكَ أن تخرجَ نفسكَ من الحدودِ التي رسموها..
فان لمْ تصنعْ لنفسكَ شيئاً تلقى اللهَ بهِ، فلا قيمةَ لحياتكَ إطلاقاً، إن لم تعمل لآخرتكَ بعيداً عن ذلكَ النسقِ الذي يحاولُ المجتمعُ والشيطانُ والنفس والهوى أن يفرضهُ عليكَ، إن لم تعملْ لكي تكونَ حلقةً صغيرةً أو كبيرةٍ في دعوةِ الإسلامِ، وتطلبَ وجهَ الله الغاية الأسمى والكبرى، لا حاضرَ ولا مستقبلَ لك، سينتهي كل شيءٍ بالنسبةِ لكَ يومَ تطوى صفحتك من الدنيا..
أعلم، أطلتُ عليكَ الحديث، ولكن يقيناً ستجدُ شباباً في عمركَ يعرفهمُ كل أهل الأرضِ والسماء، وسترى بأمِ عينيكَ كيفَ يباهي اللهُ بهم ملائكتهُ وخلقهُ جميعاً، ولن ترضى حتماً أن لا تكونَ معهم..
صديقي، اعلم رحمكَ الله بأنكَ ستفهمُ هناكَ المطلق، وستحسُ حقيقةً باللانهاية، فكيفَ يهدأ لكَ بالٌ وأنتَ على موعدٍ مع ذلكَ الحدث الرباني، حيث تتلاقى الأرواحُ، ويشهد ذلكَ الحدث نفرٌ ورهطٌ من العالمين، ملائكةً وجناً وإنساً، يشهدونَ يوماً يتوجُ فيه ربُّ العالمينَ شباباً كانَ همهم الله ولا شيءَ غير ذلك.. يفخرُ بهم أمامَ ملائكته وجميعَ خلقه، فكيفَ سيكونُ حالكَ عندها وقد كانتْ لك فرصةٌ كبيرة لكي تكونَ بينهم..
فاعلم رحمكَ الله، أنَ الدنيا زائلة، ويوماً ما ستلقى الله، فاصنع لكَ شيئاً تلقاهُ بهِ، فلا نهايةَ لحسرة من لم يفز بذلك المقام.. وحتماً ستجدني هناكَ إن شاء الله، وفي ذلكَ فليتنافس المتنافسون..
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.