نعم. لا توجد في الولايات المتحدة الأميركية عضوية في الأحزاب!
أمر ليس من السهل تصديقه ولكنه واقع في بلاد العم سام، وهكذا لا ينبري الأمين العام لهذا الحزب أو ذاك إلى التلويح بطرد أحد الأعضاء من الحزب نهائيا إذا ما خالفه الرأي أو عارضه الرؤية كما يحدث في كواليس كثير من الأحزاب في دولنا العربية.
كل ما على المواطن الأمريكي أن يفعله ليصبح ديمقراطيا أو جمهوريا أو غير ذلك هو أن يقول أنا ديمقراطي وهكذا يصير ديمقراطيا، أو أنا جمهوري فيصبح جمهوريا. المواطن يسمي نفسه بنفسه وهذا ما يطلق عليه الانتساب، فلا تكون هنالك حاجة إلى انخراط والحصول على بطاقة العضوية على عكس الجمعيات التي يكون من الضروري الانخراط والحصول على بطاقة عضوية فيها.
ومعروف أنه في كل انتخابات كيف ما كانت في الولايات المتحدة، ومهما كان منصب الانتخاب فإن العملية الانتخابية تمر عبر مرحلتين اثنتين: تمهيدية وعامة. في المرحلة الأولى أو المرحلة التمهيدية، يكون دور الأحزاب مهمشا إلى درجة كبيرة، فقط أفراد يبادرون إلى ترشيح أنفسهم دون أن يحصلوا على تزكية أو إذن أو ترخيص من قبل أي حزب كان. وفي المقابل يمنع على أي حزب أن يدعم أيًّا من المرشحين أو يمول حملاتهم الانتخابية في هذه المرحلة التي يتقدم خلالها كل مرشح ببرنامجه الخاص ويروج له عبر التواصل مع ممثلي الائتلافات والجمعيات المدنية. وعندما تنتهي المرحلة التمهيدية، يصبح المرشح الذي يحصل على أغلبية الأصوات هو المرشح الرسمي والرئيس للحزب الذي سيمثله، ويكون هذا الحزب مجبرا على أن يدعمه ويتبنى برنامجه الذي روجه واختاره المصوتون بناء عليه. وتسمى هذه المرحلة عامة.
ولأنه في الانتخابات التي تجرى في دولنا العربية، كثيرا ما تابعنا مرشحا ما وهو يعدد مزهوا الشهادات العلمية التي حازها، أو مرشحا يضيف لاسمه وصف الدكتور أو الأستاذ، أو مرشحا يلجأ إلى تزوير شهادة تعليمه الابتدائي أو الجامعي أو غيرها من التصرفات التي يحاول أن يضفي عليه من خلالها وقارا علميا لا يحوزه في الغالب.. فإنه من الإيجابي برأيي، أن يكون من غير المقبول أن يتباهى أي مرشح بالشهادات العلمية التي حصل عليها خلال الحملات الانتخابية الأميركية وإذا ما فعل ذلك فإنه حتما سيعاقب من طرف الناخبين وسيخسر كما حدث في تجارب سابقة، لأن التباهي بالشهادات العلمية فعل مستهجن في نظر الناخب الأمريكي الذي يبحث عن شخص يتمتع بالخبرة والقدرة على التواصل وليس عن شخص يتمتع بأعلى الدرجات العلمية لأن الشهادات العليا والكثير من الخبراء المتمكنين موجودون في مؤسسات المجتمع المدني وهذا ما تعرفنا عليه في المقال السابق.
وفي الانتخابات تبرز مرة أخرى قيمة التطوع المتأصلة في المجتمع الأميركي، إذ إن حوالي 98.5% من المشاركين في الحملات الانتخابية متطوعون، وغالبا ما يتطوع مثلا منخرطون في الجمعيات المدنية الناشطة في المجال الصحي لإعداد البرنامج المرتبط بالصحة والدفاع عنه، وكذلك الأمر بالنسبة للتعليم والنقل والرياضة وغيرها من المجالات.
صادف وجودي بمدينة تشابل هيل الواقعة في ولاية كارولينا الشمالية فترة الانتخابات المحلية والتي جرت من أجل تجديد نصف أعضاء مجلس المدينة بالإضافة إلى العمدة وهي انتخابات تتم كل سنتين، عاينت جانبا من الحملة الانتخابية التي كانت في منتهى الأناقة، المرشحون لانتخابات مجلس مدينة تشابل هيل كتبوا أسماءهم على لوحات صغيرة، مختلفة الألوان ومتساوية الأحجام، وقاموا بغرسها في جوانب الحدائق المحاذية للطريق في احترام شديد للبيئة التي لا يأبه لها المرشحون في انتخاباتنا العربية إلى درجة أن الطرق والأسواق
والشوارع عندنا تتحول إلى مكب مفتوح لأوراق الدعاية المرمية بلا مبالاة في كل مكان.
في يوم الاقتراع وفي مكتب التصويت الذي زرته كانت توجد 3 متطوعات، هن من يستقبلن الناخبين ويسهرن على عملية التصويت ويراقبن مجرياتها، وقد أخبرتنا إحداهن أنها هي التي ستحمل أوراق المصوتين إلى المركز الانتخابي بعد انتهاء عمليتي التصويت والفرز اللتين تتمان بطريقة إلكترونية لا تدع مجالا للتزوير أو الفبركة، الناخب يختار مرشحيه من خلال وضع إشارة بالقلم على أسمائهم المدونة في الورقة التي يتسلمها عند دخوله مكتب التصويت، ثم يتوجه بالورقة نحو جهاز إلكتروني يحل محل الصندوق عندنا، ويضع الورقة التي يسحبها الجهاز مظهرا على لوحته الأمامية عدد الأشخاص الذين صوتوا (Number of voters) حتى تلك اللحظة، بعد ذلك يغادر الناخب المكتب بعد أن يحصل على 'بادج' مكتوب عليها: 'I voted' أو أنا صوتت، يثبتها على ملابسه إن شاء.
أما ورقة التصويت فهي فريدة فعلا، إذ تنقسم إلى جزء خاص بالتصويت على عمدة المدينة و جزء خاص بالتصويت على نوابه وباقي أعضاء مجلس المدينة، وجزء أخير هو عبارة عن استفتاء تطرح فيه أسئلة على الناخب لمعرفة رأيه بخصوص بعض المشاريع التي يقترح مجلس المدينة إنجازها وهي مشاريع يحتاج تمويلها إلى أموال خارج الميزانية السنوية المصادق عليها، وهذه أمثلة على أسئلة الاستفتاء: هل أنتم مع توسيع المكتبات المحلية وتحويلها إلى مكتبات معاصرة؟ أو هل توافقون على منحنا الإذن بأن نقترض مبلغ 40 مليون دولار من أجل توسيع الأرصفة وجعلها أكثر أمنا للمشاة مع وعد بعدم الزيادة في أي ضريبة عليكم؟ هل أنتم موافقون على توسيع هذا المنتزه أو تحديث مركز الشرطة؟ وغيرها من الأسئلة.. وقد ضمت الورقة التي رأيت أربعة أسئلة يستفتى الناخب بشأنها وما عليه إلا أن يضع علامة على نعم أو لا، والمجلس المنتخب سيخضع طبعا لإرادة الناخبين ورغبتهم سواء كانت بالموافقة أو الرفض.
و من اللافت في مركز التصويت أن المعزل أو المكان الذي يصوت فيه الناخب، تمت فيه مراعاة الناخبين من الأشخاص في وضعية إعاقة، بحيث تم تجهيزه بطريقة يسهل معها على الشخص الذي يعاني أي إعاقة أن يصوت ويعبر عن رأيه دون أي اختلاف أو فرق مع باقي الناخبين.
قبل أن أغادر المركز، عدت وألقيت نظرة مطولة على جهاز التصويت الإلكتروني وأنا أفكر في أن اعتماد جهاز يماثله خلال الانتخابات في بلدي وباقي البلدان العربية من شأنه أن يجنبنا المسلسلات الطويلة من الاتهامات المتبادلة بالتزوير وعدم النزاهة والتي نعيش أطوارها خلال كل انتخابات، وفرحت عندما أخبرني زميل صحافي من سلطنة عمان بأن بلاده بدأت منذ فترة اعتماده خلال استحقاقاتها الانتخابية على أمل أن تعم هذه العدوى الإلكترونية انتخابات باقي الدول العربية الأخرى!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.