ما إن سمعت أم أحمد خبر فتح معبر رفح الرابط بين مصر وقطاع غزة، يوم الجمعة 4 ديسمبر/كانون الأول2015، حتى جهزت حقيبة صغيرة وتوجهت إلى البوابة لتقضي ليلتها هناك على أمل العبور، فلم تكن تتوقع أن ساعات الانتظار الطويلة التي ستقضيها سوف تذهب سدى.
أم أحمد المصابة بمرض السرطان لم تستطع العبور، ووصفت ما حصل معها أنه "غير إنساني، ولو كنت أملك واسطة أو دولارات كنت استطعت العبور".
وتضيف الفلسطينية التي أنهكها المرض لـ "عربي بوست" أنه "لم تتم مراعاة وضعي الصحي، فقدت توازني بسبب ساعات الانتظار الطويلة وسط الزحام، هناك الكثيرون مثلي مرضى كانوا يأملون أن يعبروا لاستكمال علاجهم بدلَ أن يكونوا في عداد الموتى الذين سبقوهم".
تشابه بأرقام التسجيل!
وكانت السلطات المصرية قد فتحت يومي الجمعة والسبت الماضيين بوابة معبر رفح الحدودي أمام أهل غزة وذلك بعد إغلاق دام لأكثر من مائة يوم، دون إبلاغ الطرف الفلسطيني بهذه الخطوة، الأمر الذي جعل المسافرين العالقين داخل القطاع يسارعون للمبيت على بوابة المعبر التي يصفونها دوماً ب"السوداء" علهم يظفرون بالسفر هذه المرة.
منذ اليوم الأول من فتح المعبر، ظهرت علامات السخط على وجوه الطلبة والمرضى وأصحاب الإقامات، الذين لم يحالفهم الحظ للسفر رغم أن الكشوف التي أظهرتها وزارة الداخلية بغزة تؤكد دورهم في السفر.
الطالب محمود عيسى تفاجأ خلال تواجده عند معبر رفح بتشابه رقم التسجيل الخاص بدوره للسفر مع طالب آخر، ويوضح ما حصل معه لـ "عربي بوست" بقوله "يوجد تلاعب في أرقام المسافرين، فلم أتمكن من السفر وموعد امتحاناتي اقترب وإقامتي انتهت، ولكن يبدو أن الحظ حليف الشاب الذي حمل نفس رقمي فهو صاحب واسطة قوية".
فقط 3 باصات
الجانب المصري لم يسمح في اليوم الأول، إلا بإدخال 3 باصات من المسافرين معظمهم كانوا قد دفعوا مبالغ تتراوح ما بين " 1500 دولار إلى 3 آلاف" لعاملين في الجانب المصري عبر وسطاء من غزة.
الأمر نفسه تكرر في اليوم الثاني، ولكن بالمقابل هناك أشخاص تمكنوا من السفر رغم عدم إدراج أسمائهم في كشوفات وزارة الداخلية التي نشرت ليلة الإعلان عن فتح المعبر، الأمر الذي فسره المسافرون بأن واسطات من داخل الجانب الفلسطيني تدخلت لتسهيل سفرهم.
ووفق الإحصائيات فإن معبر رفح الحدودي لم يفتح سوى 21 يوماً طيلة العام الجاري، رغم أن المسجلين للسفر 25 ألف مواطن منهم 3500 مريض، و7 آلاف طالب، وألف من أصحاب الإقامات والجوازات الأجنبية وغيرهم من العالقين.
3 آلاف دولار ثمن العبور
ورغم أن جميع المسافرين يؤكدون على وجود سماسرة في قطاع غزة يسهلون عليهم السفر مقابل مبالغ مادية، إلا أنه عند التواصل مع السماسرة رفضوا التعليق على ذلك، عدا سمسار واحد وافق على الحديث مقابل عدم ذكر اسمه.
يقول السمسار الغزي لـ "عربي بوست" إن "ما أفعله هو مساعدة المسافرين للوصول إلى مبتغاهم مقابل مبلغ مادي نتفق عليه، فالتنسيق الذي يكون ليلة فتح المعبر يصل ثمنه إلى 3 آلاف دولار وأكثر، خاصة لو كان المسافر على قائمة الممنوعين من قبل الجانب المصري، بينما في الأيام التي لا يكون فيها سفر يحتاج المسافر الواحد إلى ألف دولار ليكون اسمه مدرجاً في كشف التنسيقات".
وأوضح السمسار أن المبلغ الذي يحصل عليه يتقاسمه مع الوسيط المصري، حيث يقوم المسافر بدفع نصف المبلغ للسمسار، بينما النصف المتبقي يدفعه حينما يصل الصالة المصرية ويتم الختم على جوازه للسماح له بالدخول فيعطي المال للضابط أو لأحد الخدم في الصالة المصرية.
عمليات نصب واحتيال!
أن تدفع مبلغاً من المال لا يعني أن تضمن إدراج اسمك في التنسيقات الأمنية، تماماً كما حصل مع إحدى الفتيات، حيث تواصلت مع ضابط أمن فلسطيني في الضفة أرسلت له مبلغ 900 دولار لمساعدة شقيقها في السفر، وعندما فتح المعبر أبوابه أمام المسافرين لم يجد الشاب اسماً له وضابط الأمن أغلق هاتفه!
وإن الخروج من الصالة الفلسطينية إلى المصرية ليس دليلاً على تمكن المواطن من السفر، فكثير منهم عادوا إلى بيوتهم بعد وصولهم إلى الجانب المصري، ويبلغهم الأخير بعدم السماح لهم بالسفر لأمور أمنية.
ووفق قول أحد المسافرين الذين لم يستطيعوا السفر أشار إلى أن "ضابط المخابرات المصري عرض عليه وعلى بعض من زملائه مجموعة من الصور التي أرسلتها السفارة الفلسطينية في مصر تبيّن مشاركتهم في اعتصامات تستنكر إغلاق مصر للمعبر" ووفقاً لذلك منعه من دخول مصر.
فتح المعبر مجرد أوهام
أحد المسؤولين عن حركة المعابر والمكلف من قبل السلطة الفلسطينية أكد لـ "عربي بوست" عدم وجود أي جديد فيما يخص فتح المعبر، نافياً وجود أي معلومات لديه حول إمكانية معبر رفح في الأيام المقبلة.
وأضاف المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه أن "ما تتحدث عنه الفصائل الفلسطينية من مبادرات هي مجرد أوهام يستخدمونها للحديث عبر وسائل الإعلام".
ومؤخراً، طرح المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان مبادرة بتولي اللجنة الدولية للصليب الأحمر مهمة الإشراف على معبر رفح الحدودي بشكل مؤقت ولأسباب إنسانية، إلى حين توصل الفرقاء الفلسطينيون إلى اتفاق يكفل تشغيل المعبر بشكل منتظم ودائم.
وقال المركز إن هذه المبادرة تنطلق من الدور الإنساني للجنة الدولية وفقاً لاتفاقيات جنيف لعام 1949، ووفقاً للدور الذي كانت تؤديه اللجنة الدولية في أعقاب العدوان الإسرائيلي عام 1967.
ودعا المركز الأطراف الفلسطينية، بما فيها السلطة الفلسطينية وحركة حماس إلى الاستجابة الفورية والإعلان عن موافقتها ودعمها لهذه المبادرة، في ضوء عجزها وفشلها في الاستجابة الفعالة للحاجات الإنسانية لسفر وتنقل سكان القطاع إلى مصر والخارج.
ودعا المركز اللجنة الدولية للصليب الأحمر للموافقة على هذه المبادرة وفحص إمكانية تحقيقها مع كافة الأطراف.
وترفض السلطات المصرية فتح معبر رفح بشكل دائم حتى تتسلمه عناصر من السلطة الفلسطينية، في حين ترفض السلطة العمل حتى يخرج جميع موظفي حكومة حماس السابقة.
ومع تضارب المواقف، فقد ذكرت حركة حماس في بيان لها أن السلطات المصرية أبلغتها أن انتظام فتح معبر رفح، مرهون بالأوضاع الأمنية في شبه جزيرة سيناء (شمال شرقي مصر).
ويربط معبر رفح قطاع غزة بمصر وهو مخصص للأفراد فقط وهو المنفذ الوحيد للسكان على الخارج وتغلقه مصر بشكل كامل منذ يوليو/تموز 2013 بشكل شبه كامل وتفتحه استثنائياً.
حال اهالي غزة لما يفتحو المعابر
محدش حيضل بالبلد ?
#سلموني_المعبر
#سلموا_المعبر #افتحوا_المعبر pic.twitter.com/8929EPQFTv
— المواطنة ورود (@Worood_Sharabte) December 9, 2015
#افتحوا_المعبر: إلى متى يستمر إذلال الفلسطينيين وتذوقهم لأشد أنواع المعاناة بسبب معبر رفح؟
https://t.co/RRQXyv9M9F
#غزة_بحاجة_لمطار
— UnifiedAssistance (@PUAssistance) December 9, 2015