نموذج الأندلس

كانت التركيبة السكانية الأندلسية معقدة في تكوينها لاختلاف ثقافات سكانها، أديانهم، أصولهم ولهجاتهم، فقد كانت الأغلبية مسلمة مكونة من عرب وبربر والبقية أقليات من مسيحيين ويهود، بالإضافة إلى السكان الأصليين لشبه جزيرة أيبيريا، فلم تقم الأغلبية المسلمة بسحق البقية أو بتفجير كنائسهم، بل شكل الاختلاف مجتمعا هجينا منسجما لم ينتهك المسلمون فيه حقوق الأقليات، ولم تستثن فيه أية جهة من المشاركة في بناء الحضارة، ما خلق تنوعا وثراء ثقافيا وأدبيا وفنيا ليس له مثيل. لقد كانت فترة تواجد المسلمين هناك نموذجا فريدا لم يلد التاريخ مثله، ولم تعرف البشرية مكانا اكتمل فيه الاختلاف مثل أرض الفردوس المفقود. ولاتزال مدينة طليطلة أو توليدو الإسبانية تشهد وجود كنائس بجوار مساجد تم بناؤها في عهد المسلمين في أحيائها العتيقة.

عربي بوست
تم النشر: 2015/12/09 الساعة 04:08 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2015/12/09 الساعة 04:08 بتوقيت غرينتش

قد تكون مادة التاريخ مملة لدى كثير منا، وقد تكون محل اهتمام لدى البعض فقط بدافع الاختصاص في تحليلها أو تدريسها أو الكتابة عنها، لكن الحقيقة أن دراسة التاريخ واجبة علينا جميعا لما فيها من عبر، و إذا ما دققنا النظر في استخلاص دروس الماضي فأكيد سنزرع غدا أفضل، ألسنا نردد دائما تلك العبارة التي تقول إن التاريخ يعيد نفسه.

عندما يتعلق الماضي بحضارة الأندلس كم نتمنى حقا أن يعيد التاريخ نفسه، ورغم أن ما درسناه في مدارسنا وجامعاتنا عن الأندلس لا يتعدى سوى تواريخ معارك وأسماء أبطال لا يمكن لأحد إنكار دورهم في نشر العلوم والفنون والحضارة ومبادئ الإسلام الراقية، لكن الأندلس ليست معارك وبطولات تروى كأية قصة نسمعها أو تصلح لقصها ضمن قصص ما قبل النوم للصغار.

الأندلس عصر شاهد على سماحة الإسلام في أرض تعايش فيها المسلم والمسيحي واليهودي لقرون بأمان، عندما كان الحكم بيد المسلمين وإلى غاية سقوط غرناطة وخروجهم من هناك.

كانت التركيبة السكانية الأندلسية معقدة في تكوينها لاختلاف ثقافات سكانها، أديانهم، أصولهم ولهجاتهم، فقد كانت الأغلبية مسلمة مكونة من عرب وبربر والبقية أقليات من مسيحيين ويهود، بالإضافة إلى السكان الأصليين لشبه جزيرة أيبيريا، فلم تقم الأغلبية المسلمة بسحق البقية أو بتفجير كنائسهم، بل شكل الاختلاف مجتمعا هجينا منسجما لم ينتهك المسلمون فيه حقوق الأقليات، ولم تستثن فيه أية جهة من المشاركة في بناء الحضارة، ما خلق تنوعا وثراء ثقافيا وأدبيا وفنيا ليس له مثيل. لقد كانت فترة تواجد المسلمين هناك نموذجا فريدا لم يلد التاريخ مثله، ولم تعرف البشرية مكانا اكتمل فيه الاختلاف مثل أرض الفردوس المفقود. ولاتزال مدينة طليطلة أو توليدو الإسبانية تشهد وجود كنائس بجوار مساجد تم بناؤها في عهد المسلمين في أحيائها العتيقة.

فالقارئ لتاريخ الأندلس سينتابه الحنين إلى عبقرية المسلم حين كان مبدع زمانه وملهم غيره، إلى نقاء الروح وزمن التعايش، الأندلس كفيلة أن تكون نموذجا يدرس في مدارسنا عن قيمة التعايش وتقبل الاختلاف لأنه ثراء للحضارة.
هدا ما حدث في أرض الأندلس في الفترة الإسلامية أين رفعت المآذن ونشرت دواوين الأدب والفقه و تطورت الفنون وتضاعفت العلوم حينما تصادقت الأديان.

هل يمكننا أن نقارن أندلس المسلمين في القرون الوسطى بأوربا القرن الواحد والعشرين، أين منع ارتداء الحجاب وسكتت أصوات المآذن، لسبب واحد هو عدم تقبل الاختلاف لجهل حقيقة الآخر وعدم احترام هويته. ولا يمكننا أن نتهم أوروبا والأوروبيين فقط، فحتى نحن لا يمكن أن يعيش بيننا شيعي أو مسيحي، إلا إذا أخفى معتقده تجنبا للأذية في مجتمعاتنا التي أصبح فيها الاختلاف متهما بالكفر والإلحاد والزندقة، ورغم أن الآية الكريمة واضحة في هدا الشأن (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم) ورغم أن سورة الكافرون في القرآن الكريم بها أية كريمة لو طبقناها لتعايشنا مع كل الأمم (لكم دينكم ولي دين)، وفي سيرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم مواقف كثيرة منها زيارته لجاره اليهودي عند مرضه والتي تعد رمزا لصلة الأديان.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد