حذر خبراء من الانقسام العميق للقادة الأميركيين تجاه الجهاديين، ما يضيف المزيد من التعقيد على طريقة مكافحتهم للعمليات الإرهابية، فبعد دقائق قليلة على دعوة الرئيس باراك أوباما إلى وحدة الصف في كلمة ألقاها الأحد الماضي، أظهر الجمهوريون بشكل جلي أنهم لا ينوون الاستجابة لهذه الدعوة.
إذ دعا دونالد ترامب، أبرز المرشحين الجمهوريين للسباق الرئاسي الأميركي، إلى منع المسلمين من دخول الولايات المتحدة بشكل كامل في التصريحات الأكثر استفزازاً في حملته الانتخابية المثيرة للجدل.
وأثارت تصريحاته التي جاءت بعد حادث إطلاق النار في كاليفورنيا، الأسبوع الماضي، الذي نفذه زوجان مسلمان، تنديداً من البيت الأبيض وأبرز المرشحين للانتخابات الرئاسية.
خطاب حاد
ولم يحدّد مساعدو ترامب ما إذا كان اقتراحه يشمل السياح والمهاجرين على حد سواء، أو ما إذا كان يستهدف الأميركيين المسلمين المتواجدين حالياً في الخارج.
وفي خطاب حاد استغرق 50 دقيقة على متن السفينة الحربية "يو إس إس يوركتاون" في وقت متاخر الاثنين 7 ديسمبر/كانون الأول، تلا ترامب قسماً من بيانه مشدداً لهجته وقائلاً إن منع المسلمين من دخول البلاد يجب أن يبقى سارياً "إلى أن يضع نواب البلاد تصوراً لما يحدث".
وأضاف: "ليس لدينا خيار"، مؤكداً أن المتطرفين الإسلاميين يريدون قتل الأميركيين.
وأوضح "سيزداد الأمر سوءاً، سنشهد المزيد من حوادث برجي مركز التجارة العالمي"، في إشارة الى اعتداءات 11 سبتمبر/أيلول 2001.
تتناقض مع القيم الأميركية
وسرعان ما ندّد البيت الأبيض بقوة بمقترحات ترامب، معتبراً أنها "تتناقض" مع القيم الأميركية.
وقال بن رودس، مستشار الرئيس باراك أوباما: "إنه أمر مخالف تماماً لقيمنا كأميركيين"، مضيفاً أن "احترام حرية الديانة مدرج في شرعة الحقوق".
وأعلنت حملة ترامب الانتخابية أنها تستند الى استطلاع للرأي يُظهر "كراهية للأميركيين من قبل شرائح كبرى من المسلمين".
وجاء في البيان: "من أين تأتي هذه الكراهية ولماذا؟ يجب أن نحدد ذلك، وإلى أن نكون قادرين على تحديدها وفهم هذه المشكلة والتهديد الخطير الذي تمثله، لا تستطيع بلادنا أن تبقى ضحية هجمات رهيبة من قبل أشخاص يؤمنون بالجهاد فقط وليس لديهم أي عقلانية وأي احترام للحياة الإنسانية".
وكان ترامب صعّد من هجماته ضد المسلمين الأميركيين منذ اعتداءات باريس في 13 نوفمبر/تشرين الثاني، وواصل ذلك بعد إطلاق النار الأسبوع الماضي في كاليفورنيا الذي خلف 14 قتيلاً و21 جريحاً.
لكن تصريحاته، أمس الاثنين، تعتبر الأكثر حدة، وقد أثارت موجة تنديد قوية من قبل مرشحين جمهوريين آخرين على تويتر.
تنديد المرشحين الآخرين
وكتب المرشح الجمهوري حاكم فلوريدا السابق جيب بوش على تويتر: "دونالد ترامب فقد صوابه"، مضيفاً أن "اقتراحات سياسته ليست جدية".
كما ندّد بموقفه أيضاً منافسوه الجمهوريون للانتخابات التمهيدية ماركو روبيو وجون كاسيش وكريس كريستي وليندسي غراهام.
ووصفت أبرز مرشحة ديمقراطية، هيلاري كلينتون، تصريحات ترامب بأنها "تستحق التنديد وتثير الانقسام وتنطوي على أحكام مسبقة".
وتوجهت إلى ترامب بالقول: "أنت لا تدرك الأمور، هذا يجعلنا أقل أماناً".
من جهته قال المرشح الديمقراطي مارتن أومالي إن "دونالد ترامب بدّد كل الشكوك، هو يقوم بحملته الرئاسية بشكل فاشي".
لكن يبدو أن كل هذه التعليقات لا تؤثر على وضع ترامب، فهو لا يزال أبرز المنافسين لنيل ترشيح الحزب الجمهوري من أجل خوض الانتخابات الرئاسية قبل أقل من شهرين من أول تصويت على مستوى ولاية، رغم أن تصريحاته تثير نقمة لدى كثيرين على المستوى الشعبي أيضاً.
تصرف غير أميركي
وقال نهاد عوض، المدير التنفيذي لمجلس العلاقات الأميركية الإسلامية: "هذا تصريح شائن من شخص يرغب في تولي أعلى منصب في هذا البلد، هذا تهور وببساطة هو تصرف غير أميركي، دونالد ترامب يبدو وكأنه زعيم لغوغاء وليس لأمة عظيمة مثل أمتنا".
وقال جوش إيرنست، المتحدث باسم البيت الأبيض، لمحطة تلفزيون "إم إس إن بي سي"، إن ترامب "يسعى لاستغلال جانب وعنصر أكثر ظلاماً، ويحاول اللعب على مخاوف الناس من أجل حشد دعم لحملته".
وألقى أوباما خطاباً، ليل الأحد، في المكتب البيضاوي، طالب فيه الأميركيين بالتسامح مع أقرانهم المواطنين بصرف النظر عن دينهم.
تزايد الانقسامات
وقال باتريك سكينر، المسؤول السابق في وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه): "مع ظهور شكل جديد من الخطر الإسلامي ازدادت حدة الانقسامات، ففي أعقاب اعتداءات 11 سبتمبر التف الجمهوريون والديمقراطيون حول دعوة جورج بوش، وسرعان ما تقرر اجتياح أفغانستان لحرمان أسامة بن لادن من قاعدته الخلفية".
ويضيف غير أن الوضع اليوم أكثر تعقيداً بكثير، حيث إن الزوجين الذين نفذا مجزرة سان بيرناردينو في كاليفورنيا التي أوقعت 14 قتيلاً، الأربعاء الماضي، كانا يعيشان في الولايات المتحدة وأحدهما نشأ فيها، ولم يكن لديهما على ما يبدو سوى ارتباطات أيديولوجية مع "داعش".
وقال باتريك سكينر بهذا الصدد إنه "لن يكون بوسع أي غارة جوية أن تساعد في مواجهة حالات مثل سان بيرناردينو".
ويتهم الجمهوريون أوباما بسوء تقدير قوة "داعش" الذي سيطر على مناطق شاسعة من العراق وسوريا.
وقال مارك تيسن، كاتب خطابات جورج بوش سابقاً، إن " داعش أصبح في السنوات الأخيرة وفي عهد أوباما الشبكة الإرهابية الأكثر ثراء وقوة في التاريخ"، مضيفاً "لديهم الوسائل لإلحاق أضرار جسيمة إذا لم يتم وقفهم بسرعة".
من جهته حذر مايكل ماكول، رئيس لجنة الأمن الداخلي في مجلس النواب: "لا تخطئوا في الأمر، نحن بلد في حرب".
وأضاف: "أعتقد أن عام 2015 سيشكل منعطفاً في هذه الحرب الطويلة، وسيبقى العام الذي تغلب فيه أعداؤنا".
أهداف انتخابية
وقلل البيت الأبيض من شأن هذه الانتقادات، فوضعها في سياق حملة انتخابية تشهد "منافسة محتدمة"، وقال جون إيرنست، المتحدث باسم الإدارة الأميركية: "إن أمضينا قسطاً كبيراً من وقتنا نكترث لهذا النوع من ردود الفعل فسوف نهدر وقتنا".
ويحذر الخبراء من أن الانقسامات السياسية العميقة تهدد بإضافة المزيد من التعقيدات إلى مكافحة الجهاديين.
وقال باتريك سكينر: "من الأفضل على الدوام الوقوف جبهة واحدة في محاربة عدو، ونحن اليوم لسنا الولايات المتحدة بل الولايات المنقسمة، ولا أدرى متى ستصطلح الأمور؟".